متقدم على خلق السماوات كما هنا، ودحى الأرض بأن * (أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها) * متأخر عن خلق السماوات كما في سورة النازعات، ولهذا قال: * (والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها) * إلى آخره ولم يقل: (والأرض بعد ذلك خلقها). وقوله: * (وأوحى في كل سماء أمرها) * أي: الأمر والتدبير اللائق بها، الذي اقتضته حكمة أحكم الحاكمين. * (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) * هي: النجوم، يستنار بها، ويهتدى، وتكون زينة وجمالا، للسماء ظاهرا. * (وحفظا) * لها، باطنا، يجعلها رجوما للشياطين، لئلا يسترق السمع فيها، * (ذلك) * المذكور، من الأرض وما فيها، والسماء وما فيها * (تقدير العزيز) * الذي عزته، قهر بها الأشياء ودبرها، وخلق بها المخلوقات. * (العليم) * الذي أحاط علمه بالمخلوقات، الغائب والشاهد. * (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون) * فترك المشركين الإخلاص لهذا الرب العظيم الواحد القهار، الذي انقادت المخلوقات لأمره ونفذ فيها قدره، من أعجب الأشياء. واتخاذهم له أندادا يسوونهم به، وهم ناقصون في أوصافهم، وأفعالهم، أعجب وأعجب. ولا دواء لهؤلاء، إن استمر إعراضهم، إلا العقوبات الدنيوية والأخروية. فلهذا خوفهم بقوله: * (فإن أعرضوا) * إلى قوله: * (كافرون) *. أي: فإن أعرض هؤلاء المكذبون، بعدما بين لهم من أوصاف القرآن الحميدة، ومن صفات الإله العظيم * (فقل أنذرتكم صاعقة) * أي: عذابا يستأصلكم ويجتاحكم. * (مثل صاعقة عاد وثمود) * القبيلتين المعروفتين، حيث اجتاحهم العذاب، وحل عليهم وبيل العقاب، وذلك بظلمهم وكفرهم. * (إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم) * أي: يتبع بعضهم بعضا متوالين، ودعوتهم جميعا واحدة. * (أن لا تعبدوا إلا الله) * أي: يأمرونهم بالإخلاص لله، وينهونهم عن الشرك. فردوا رسالتهم وكذبوهم و * (قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة) * أي: وأما أنتم فبشر مثلنا * (فإنا بما أرسلتم به كافرون) * وهذه الشبهة لم تزل متوارثة بين المكذبين، ومن الأمم، وهي من أوهى الشبه. فإنه ليس من شرط الإرسال، أن يكون المرسل ملكا. وإنما شرط الرسالة، أن يأتي الرسول بما يدل على صدقه. فليقدحوا إن استطاعوا بصدقهم، بقادح عقلي أو شرعي، ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا. * (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون) * هذا تفصيل لقصة هاتين الأمتين، عاد، وثمود. * (فأما عاد) * فكانوا مع كفرهم بالله، وجحودهم بآيات الله، وكفرهم برسله مستكبرين في الأرض، قاهرين لمن حولهم من العباد، ظالمين لهم، قد أعجبتهم قوتهم. * (وقالوا من أشد منا قوة) * قال تعالى ردا عليهم، بما يعرفه كل أحد: * (ألم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) * فلولا خلقه إياهم، لم يوجدوا. فلو نظروا إلى هذه الحال نظرا صحيحا، لم يغتروا بقوتهم. فعاقبهم الله عقوبة، تناسب قوتهم، التي اغتروا بها. * (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) * أي: ريحا عظيمة، من قوتها وشدتها، لها صوت مزعج، كالرعد القاصف. فسخرها الله عليهم * (في أيام نحسات) * * (سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية) *. فدمرتهم وأهلكتهم، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم. وقال هنا: * (لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا) * الذي اختزوا به وافتضحوا بين الخليقة. * (ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون) * أي: لا يمنعون من عذاب الله، ولا ينفعون أنفسهم. * (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون) * * (وأما ثمود) * وهم القبيلة المعروفة الذين سكنوا الحجر وحواليه، الذين أرسل الله إليهم صالحا عليه السلام، يدعوهم إلى توحيد ربهم، وينهاهم عن الشرك. وآتاهم الله الناقة، آية عظيمة، لها شرب ولهم شرب يوم معلوم، يشربون لبنها يوما، ويشربون من الماء يوما، وليسوا ينفقون عليها، بل تأكل من أرض الله. ولهذا قال هنا: * (وأما ثمود فهديناهم) * أي:
(٧٤٦)