تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٤٣
الكافرين) * أي: كذلك الضلال، الذي كانوا عليه في الدنيا، الضلال الواضح لكل أحد، حتى إنهم بأنفسهم، يقرون ببطلانه يوم القيامة. ويتبين لهم معنى قوله تعالى:
* (وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن) * ويدل عليه قوله تعالى: * (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) * * (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة) * الآيات. ويقال لأهل النار * (ذلكم) * العذاب، الذي نوع عليكم * (بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون) * أي: تفرحون بالباطل الذي أنتم عليه، وبالعلوم التي خالفتم بها علوم الرسل. وتمرحون على عباد الله، بغيا، وعدوانا، وظلما، وعصيانا، كما قال تعالى في آخر هذه السورة. * (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم) *. وكما قال قوم قارون له: * (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) *. وهذا هو الفرح المذموم الموجب للعقاب. بخلاف الفرح الممدوح الذي قال الله فيه: * (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) * وهو الفرح بالعلم النافع، والعمل الصالح. * (ادخلوا أبواب جهنم) * كل بطبقة من طبقاتها، على قدر عمله. * (خالدين فيها) * لا يخرجون منها أبدا * (فبئس مثوى المتكبرين) *. مثوى يخزون فيه، ويهانون، ويحبسون، ويعذبون، ويترددون بين حرها وزمهريرها. * (فاصبر إن وعد الله حق ف إما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون) * أي: * (فاصبر) * يا أيها الرسول، على دعوة قومك، وما ينالك منهم، من أذى. واستعن على صبرك بإيمانك * (إن وعد الله حق) * سينصر دينه، ويعلي كلمته، وينصر رسله في الدنيا والآخرة. واستعن على ذلك أيضا، بتوقيع العقوبة بأعدائك في الدنيا والآخرة، ولهذا قال: * (فإما نرينك بعض الذي نعدهم) * في الدنيا فذاك * (أو نتوفينك) * قبل عقوبتهم * (فإلينا يرجعون) * فنجازيهم بأعمالهم، * (فلا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) *. * (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا ج آء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون) * ثم سلاه وصبره، بذكر إخوانه المرسلين فقال: * (ولقد أرسلنا رسلا) * (إلي) * (المبطلون) * (إي) * (ولقد أرسلنا من قبلك رسلا) * كثيرين إلى قومهم، يدعونهم ويصبرون على أذاهم. * (منهم من قصصنا عليك) * خبرهم * (ومنهم من لم نقصص عليك) *. وكل الرسل مدبرون، ليس بيدهم شيء من الأمر. * (وما كان لرسول) * (منهم) * (أن يأتي بآية) * من الآيات السمعية والعقلية * (إلا بإذن الله) * أي: بمشيئته وأمره. فاقتراح المقترحين على الرسل، الإتيان بالآيات، ظلم منهم، وتعنت، وتكذيب بعد أن أيدهم الله بالآيات الدالة على صدقهم، وصحة ما جاءوا به. * (فإذا جاء أمر الله) * بالفصل بين الرسل وأعدائهم، والفتح. * (قضي) * (بينهم) * (بالحق) * الذي يقع الموقع، ويوافق الصواب بإنجاء الرسل وأتباعهم، وإهلاك المكذبين، ولهذا قال: * (وخسر هنالك) * أي: وقت القضاء المذكور * (المبطلون) * الذين وصفهم الباطل، وما جاءوا به من العلم والعمل باطل، وغايتهم المقصودة لهم باطلة. فليحذر هؤلاء المخاطبون، أن يستمروا على باطلهم، فيخسروا، كما خسر أولئك. فإن هؤلاء لا خير منهم، ولا لهم براءة في الكتب بالنجاة. * (الله الذي جعل لكم الأنعام لترك بوا منها ومنها تأكلون * ولكم فيها منافع ولت بلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون * ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون) * يمتن تعالى على عباده، بما جعل لهم من الأنعام، التي بها جملة من المنافع. منها: منافع الركوب عليها، والحمل. ومنها: منافع الأكل من لحومها، والشرب من ألبانها. ومنها: الدفء، واتخاذ الآلات والأمتعة، من أصوافها، وأوبارها وأشعارها، إلى غير ذلك من المنافع. * (ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) * من الوصول إلى الأقطار البعيدة، وحصول السرور بها، والفرح عند أهلها. * (وعليها وعلى الفلك تحملون) * أي: على الرواحل البرية، والفلك البحرية، يحملكم الله الذي سخرها، وهيأ لها ما هيأ من الأسباب، التي لا تتم إلا بها. * (ويريكم آياته) * الدالة على وحدانتيه، وأسمائه، وصفاته. وهذا من أكبر نعمه، حيث أشهد عباده، آياته النفسية، وآياته الأفقية، ونعمه الباهرة، وعددها عليهم، ليعرفوه، ويشكروه، ويذكروه. * (فأي آيات الله تنكرون) * أي: أي آية من آياته، لا تعترفون بها؟ فإنكم قد تقرر عندكم، أن جميع الآيات والنعم منه تعالى. فلم يبق للإنكار محل، ولا للإعراض عنها موضع. بل أوجبت لذوي الألباب، بذل الجهد، واستفراغ الوسع، للاجتهاد في طاعته، والتبتل في خدمته، والانقطاع إليه. * (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أك ثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فمآ أغنى عنهم ما كانوا يكسبون * فلما جآءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون * فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وك فرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك
(٧٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 738 739 740 741 742 743 744 745 746 747 748 ... » »»