تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٥١
وذو عقاب أليم) * أي: * (ما يقال لك) * أيها الرسول من الأقوال الصادرة، ممن كذبك وعاندك. * (إلا ما قيل للرسل من قبلك) * أي: من جنسها. بل ربما إنهم تكلموا بكلام واحد، كتعجب جميع الأمم المكذبة للرسل، من دعوتهم إلى الإخلاص لله، وعبادته وحده لا شريك له، وردهم هذا، بكل طريق يقدرون عليه، وقولهم: * (ما أنتم إلا بشر مثلنا) *. واقتراحهم على رسلهم الآيات، التي لا يلزمهم الإتيان بها، ونحو ذلك من أقوال أهل التكذيب، لما تشابهت قلوبهم في الكفر، تشابهت أقوالهم. وصبر الرسل عليهم السلام على أذاهم، وتكذيبهم، فاصبر كما صبر من قبلك. ثم دعاهم إلى التوبة والإتيان بأسباب المغفرة، وحذرهم من الاستمرار على الغي فقال: * (إن ربك لذو مغفرة) * أي: عظيمة، يمحو بها كل ذنب لمن أقلع وتاب * (وذو عقاب أليم) * لمن: أصر واستكبر. * (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أول ئك ينادون من مكان بعيد) * يخبر تعالى عن فضله وكرمه، حيث أنزل كتابا عربيا، على الرسول العربي، بلسان قومه، ليبين لهم. وهذا مما يوجب لهم زيادة الاعتناء به، والتلقي له والتسليم. وأنه لو جعله قرآنا أعجميا، بلغة غير العرب، لاعترض، المكذبون وقالوا: * (لولا فصلت آياته) * أي: هلا بينت آياته، ووضحت وفسرت. * (أأعجمي وعربي) * أي: كيف يكون محمد عربيا، والكتاب أعجمي؟ هذا لا يكون. فنفى الله تعالى كل أمر، يكون فيه شهبة لأهل الباطل، عن كتابه، ووصفه بكل وصف يوجب لهم الانقياد. ولكن المؤمنون الموفقون انتفعوا به، وارتفعوا، وغيرهم بالعكس من أحوالهم. ولهذا قال: * (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) * أي: يهديهم لطريق الرشد، والصراط المستقيم ويعلمهم من العلوم النافعة، ما به تحصل الهداية التامة. وشفاء لهم من الأسقام البدنية، والأسقام القلبية، لأنه يزجر عن مساوىء الأخلاق، وأقبح الأعمال، ويحث على التوبة النصوح، التي تغسل الذنوب، وتشفي القلب. * (والذين لا يؤمنون) * (بالقرآن) * (في آذانهم وقر) * أي: صمم عن استماعه وإعراض، * (وهو عليهم عمى) * أي: لا يبصرون به رشدا، ولا يهتدون به، ولا يزيدهم إلا ضلالا. فإنهم إذا ردوا الحق، ازدادوا عمى إلى عماهم، وغيا إلى غيهم. * (أولئك ينادون من مكان بعيد) * أي: ينادون إلى الإيمان، ويدعون إليه، فلا يستجيبون. بمنزلة الذي ينادي وهو في مكان بعيد، لا يسمع داعيا ولا يجيب مناديا. والمقصود: أن الذين لا يؤمنون بالقرآن، لا ينتفعون بهداه، ولا يبصرون بنوره، ولا يستفيدون منه خيرا؛ لأنهم سدوا على أنفسهم أبواب الهدى، بإعراضهم وكفرهم. * (ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب * من عمل صالحا فلنفسه ومن أسآء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) * يقول تعالى: * (ولقد آتينا موسى الكتاب) * كما آتيناك الكتاب، فصنع به الناس ما صنعوا معك، اختلفوا فيه: فمنهم من آمن به واهتدى وانتفع، ومنهم من كذبه ولم ينتفع به. وإن الله تعالى، لولا حلمه وكلمته السابقة، بتأخير العذاب إلى أجل مسمى لا يتقدم عليه ولا يتأخر * (لقضي بينهم) * بمجرد ما يتميز المؤمنون من الكافرين، بإهلاك الكافرين في الحال؛ لأن سبب الهلاك، قد وجب وحق. * (وإنهم لفي شك منه مريب) * أي: قد بلغ بهم إلى الريب الذي يقلقهم، فلذلك كذبوه وجحدوه. * (من عمل صالحا) * وهو العمل الذي أمر الله به ورسوله * (فلنفسه) * نفعه وثوابه في الدنيا والآخرة * (ومن أساء فعليها) * ضرره وعقابه، في الدنيا والآخرة. وفي هذا، حث على فعل الخير، وترك الشر، وانتفاع العاملين، بأعمالهم الحسنة، وضررهم بأعمالهم السيئة، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى. * (وما ربك بظلام للعبيد) * فيحمل أحدا فوق سيئاته. * (إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركآئي قالوا آذناك ما منا من شهيد * وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص) * هذا إخبار عن سعة علمه تعالى واختصاصه بالعلم الذي لا يطلع عليه سواه فقال: * (إليه يرد علم الساعة) * أي: جميع الخلق يرد علمهم إلى الله تعالى، ويقرون بالعجز عنه، الرسل، والملائكة، وغيرهم. * (وما تخرج من ثمرات من أكمامها) * أي: وعائها الذي تخرج منه. وهذا شامل لثمرات جميع الأشجار التي في البلدان والبراري، فلا تخرج ثمرة شجرة من الأشجار، إلا وهو يعلمها تفصيليا. * (وما تحمل من أنثى) * من بني آدم وغيرهم، من أنواع الحيوانات، إلا بعلمه * (ولا تضع إلا بعلمه) *. فكيف سوى المشركون به تعالى، من لا علم عنده، ولا سمع ولا بصر؟ * (ويوم يناديهم) * أي: المشركين به يوم القيامة توبيخا وإظهارا لكذبهم فيقول لهم: * (أين شركائي) * الذي زعمتم أنهم شركائي، فعبدتموهم، وجادلتم على ذلك، وعاديتهم الرسل لأجلهم؟ * (قالوا) * مقرين ببطلان إلهيتهم وشركتهم من الله: * (آذناك ما منا من شهيد) * أي:
أعلمناك يا ربنا، وأشهد علينا أنه ما منا أحد يشهد بصحة إلهيتهم وشركتهم، فكلنا الآن رجعنا إلى بطلان عبادتها، وتبرأنا منها، ولهذا قال: * (وضل عنهم ما كانوا يدعون) * من دون الله، أي:
(٧٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 746 747 748 749 750 751 752 753 754 755 756 ... » »»