لا يسمعون) * له سماع قبول وإجابة، وإن كانوا قد سمعوه سماعا، تقوم عليهم به الحجة الشرعية. * (وقالوا) * أي: هؤلاء المعرضون عنه، مبينين عدم انتفاعهم به، بسد الأبواب الموصلة إليه: * (قلوبنا في أكنة) * أي: أغطية مغشاة * (مما تدعونا إليه وفي آذننا وقر) * أي: صمم فلا نسمع * (ومن بيننا وبينك حجاب) * فلا نراك. القصد من ذلك، أنهم أظهروا الإعراض عنه، ومن كل وجه، وأظهروا بغضه، والرضا بما هم عليه، ولهذا قالوا: * (فاعمل إننا عاملون) * أي: كما رضيت بالعمل بدينك، فإننا راضون كل الرضا بالعمل في ديننا. وهذا من أعظم الخذلان، حيث رضوا بالضلال عن الهدى، واستبدلوا الكفر بالإيمان، وباعوا الآخرة بالدنيا. * (قل) * لهم، يا أيها النبي: * (إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي) * أي: هذه صفتي ووظيفتي، أني بشر مثلكم، ليس بيدي من الأمر شيء، ولا عندي ما تستعجلون به. وإنما فضلني الله عليكم، وميزني، وخصني، بالوحي الذي أوحاه إلي وأمرني باتباعه، ودعوتكم إليه. * (فاستقيموا إليه) * أي: اسلكوا الصراط الموصل إلى الله تعالى، بتصديق الخبر الذي أخبر به، واتباع الأمر، واجتناب النهي، هذه حقيقة الاستقامة، ثم الدوام على ذلك. وفي قوله: * (إليه) * تنبيه على الإخلاص، وأن العامل ينبغي له أن يجعل مقصوده وغايته، التي يعمل لأجلها، الوصول إلى الله، وإلى دار كرامته، فبذلك يكون عمله خالصا صالحا نافعا، وبفواته، يكون عمله باطلا. ولما كان العبد، ولو حرص على الاستقامة، لا بد أن يحصل منه خلل بتقصير بمأمور، أو ارتكاب منهي، أمرهم بدواء ذلك بالاستغفار المتضمن للتوبة فقال: * (واستغفروه) * ثم توعد من ترك الاستقامة فقال: * (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) * أي: الذين عبدوا من دونه، من لا يملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا. ودسوا أنفسهم، فلم يزكوها بتوحيد ربهم والإخلاص له، ولم يصلوا ولا زكوا، فلا إخلاص منهم للخالق بالتوحيد والصلاة، ولا نفع للخلق منهم بالزكاة وغيرها. * (وهم بالآخرة هم كافرون) * أي: لا يؤمنون بالبعث، ولا بالجنة والنار. فلذلك لما زال الخوف من قلوبهم، أقدموا على ما أقدموا عليه، مما يضرهم في الآخرة. ولما ذكر الكافرين، ذكر المؤمنين، ووصفهم وجزاءهم، فقال: * (إن الذين آمنوا) * بهذا الكتاب، وما اشتمل عليه مما دعا إليه من الإيمان، وصدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة الجامعة للإخلاص، والمتابعة. * (لهم أجر) * أي: عظيم * (غير ممنون) * أي: غير مقطوع ولا نافد، بل هو مستمر مدى الأوقات، متزايد على الساعات، مشتمل على جميع اللذات والمشتهيات. * (قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيهآ أقواتها في أربعة أيام سواء للسآئلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتآ أتينا طآئعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم) * ينكر تعالى ويعجب، من كفر الكافرين به، الذين جعلوا معه أندادا يشركونهم معه، ويبذلون لهم ما يشاءون من عباداتهم، ويسوونهم بالرب العظيم، الملك الكريم، الذي خلق الأرض الكثيفة العظيمة، في يومين، ثم دحاها في يومين، بأن جعل فيها رواسي من فوقها، ترسيها عن الزوال والتزلزل وعدم الاستقرار. فكمل خلقها، ودحاها، وأخرج أقواتها، وتوابع ذلك * (في أربعة أيام سواء للسائلين) * عن ذلك، فلا ينبئك مثل خبير. فهذا هو الخبر الصادق الذي لا زيادة فيه ولا نقص. * (ثم) * بعد أن خلق الأرض * (استوى) * أي: قصد * (إلى) * (خلق) * (السماء وهي دخان) * قد ثار على وجه الماء. * (فقال لها) * ولما كان هذا التخصيص يوهم الاختصاص، عطف عليه بقوله: * (وللأرض ائتيا طوعا أو كرها) * أي: انقادا لأمري، طائعتين أو مكرهتين، فلا بد من نفوذه. * (قالتا أتينا طائعين) * أي: ليس لنا إرادة تخالف إرادتك. * (فقضاهن سبع سماوات في يومين) * فتم خلق السماوات والأرض في ستة أيام، أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة، مع أن قدرة الله ومشيئته، صالحة لخلق الجميع في لحظة واحدة. ولكن مع أنه قدير، فهو حكيم رفيق. فمن حكمته ورفقه، أن جعل خلقها في هذه المدة المقدرة. واعلم أن ظاهر هذه الآية، مع قوله تعالى في النازعات، لما ذكر خلق السماوات قال: * (والأرض بعد ذلك دحاها) * يظهر منها التعارض، مع أن كتاب الله، لا تعارض فيه ولا اختلاف. والجواب عن ذلك، ما قاله كثير من السلف، أن خلق الأرض وصورتها،
(٧٤٥)