تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٤٢
ومشرب، ومنكح، وملبس، ومنظر، ومسمع وغير ذلك، من الطيبات التي يسرها الله لعباده، ويسر لهم أسبابها. ومنعم من الخبائث، التي تضادها، وتضر أبدانهم، وقلوبهم وأديانهم. * (ذلكم) * الذي دبر الأمور، وأنعم عليكم بهذه النعم * (الله ربكم) *. * (فتبارك الله رب العالمين) * أي: تعاظم، وكثرخيره وإحسانه، المربي جميع العالمين بنعمه. * (هو الحي) * الذي له الحياة الكاملة التامة، المستلزمة لما تستلزمه من صفاته الذاتية، التي لا تتم حياته إلا بها، كالسمع، والبصر، والقدرة، والعلم، والكلام، وغير ذلك، من صفات كماله، ونعوت جلاله. * (لا إله إلا هو) * أي: لا معبود بحق، إلا وجهه الكريم. * (فادعوه) * وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة * (مخلصين له الدين) * أي: اقصدوا بكل عبادة ودعاء وعمل، وجه الله تعالى. فإن الإخلاص، هو المأمور به كما قال تعالى: * (وما أمروا إلا ليبعدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) *. * (الحمد لله رب العالمين) * أي: جميع المحامد والمدائح والثناء، بالقول كنطق الخلق بذكره. والفعل، كعبادتهم له، كل ذلك لله تعالى وحده لا شريك له، لكماله في أوصافه وأفعاله، وتمام نعمه. * (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جآءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين * هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لت بلغوا أشدك م ثم لتك ونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعل كم تعقلون * هو الذي يحي ي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) * لما ذكر الأمر بإخلاص العبادة لله وحده، وذكر الأدلة على ذلك والبينات، صرح بالنهي عن عبادة ما سواه فقال: * (قل) * يا أيها النبي * (إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله) * من الأوثان والأصنام، وكل ما عبد من دون الله. ولست على شك من أمري، بل على يقين وبصيرة، ولهذا قال: * (لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين) * بقلبي ولساني، وجوارحي، بحيث تكون منقادة لطاعته، مستسلمة لأمره، وهذا أعظم مأمور به، على الإطلاق. كما أن النهي عن عبادة ما سواه، أعظم منهي عنه، على الإطلاق. ثم قرر هذا التوحيد، بأنه الخالق لكم، والمطور لخلقتكم. فكما خلقكم وحده، فاعبدوه وحده فقال: * (هو الذي خلقكم من تراب) * وذلك بخلقه لأصلكم وأبيكم، آدم، عليه السلام. * (ثم من نطفة) * وهذا ابتداء خلق سائر النوع الإنساني، ما دام في بطن أمه. فنبه بالابتداء، على بقية الأطوار، من العلقة، فالمضغة، فالعظام، فنفخ الروح. * (ثم يخرجكم طفلا ثم) * هكذا تنتقلون في الخلقة الإلهية. * (لتبلغوا أشدكم) * من قوة العقل والبدن، وجميع قواه الظاهرة والباطنة. * (ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل) * بلوغ الأشد * (ولتبلغوا) * بهذه الأطوار المقدرة * (أجلا مسمى) * تنتهي عنده أعماركم. * (ولعلكم تعقلون) * أحوالكم، فتعلمون أن المطور لكم في هذه الأطوار، كامل الاقتدار، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وأنكم ناقصون من كل وجه. * (هو الذي يحيي ويميت) * أي: هو المنفرد بالإحياء والإماتة، فلا تموت نفس بسبب أو بغير سبب، إلا بإذنه. * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير) *. * (فإذا قضى أمرا) * جليلا أو حقيرا * (فإنما يقول له كن فيكون) * لا رد في ذلك، ولا مثنوية، ولا تمنع. * (ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون * الذين كذبوا بالك تاب وبمآ أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون * إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون * ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون * من دون الله ق الوا ض لوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين * ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون * ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين) * * (ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله) * الواضحة البينة متعجبا من حالهم الشنيعة. * (أنى يصرفون) * أي: كيف ينعدلون عنها؟ وإلى أي شيء يذهبون بعد البيان التام؟ هل يجدون آيات بينات تعارض آيات الله؟ لا والله. أم يجدون شبها توافق أهواءهم، ويصولون بها، لأجل باطلهم؟ فبئس ما استبدلوا واختاروا لأنفسهم، بتكذيبهم بالكتاب، الذي جاءهم من الله، وبما أرسل الله به رسله، الذين هم خير الخلق وأصدقهم، وأعظمهم عقولا. فهؤلاء لا جزاء لهم سوى النار الحامية، ولهذا توعدهم الله بعذابهم فقال: * (فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم) * التي لا يستطيعون معها حركة. * (والسلاسل) * التي يقرنون بها، هم وشياطينهم * (يسحبون في الحميم) * أي: الماء الذي اشتد غليانه وحره. * (ثم في النار يسجرون) * يوقد عليهم اللهب العظيم، فيصلون بها، ثم يوبخون على شركهم وكذبهم. و * (قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله) * هل نفعوكم، أو دفعوا عنكم بعض العذاب؟ * (قالوا ضلوا عنا) * أي: غابوا ولم يحضروا، ولو حضروا لم ينفعوا ثم إنهم أنكروا فقولوا: * (بل لم نكن ندعو من قبل شيئا) * يحتمل أن مرادهم بذلك، الإنكار، وظنوا أنه ينفعهم ويفيدهم. ويحتمل وهو الأظهر أن مرادهم بذلك، الإقرار على بطلان إلهية ما كانوا يعبدون، وأنه ليس لله شريك في الحقيقة، وإنما هم ضالون مخطئون، بعبادة معدوم الإلهية. ويدل على هذا قوله تعالى: * (كذلك يضل الله
(٧٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 737 738 739 740 741 742 743 744 745 746 747 ... » »»