تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٣٦
الأرض) * من البناء والغرس. وقوة الآثار تدل على قوة المؤثر فيها، وعلى تمنعه بها. * (فأخذهم الله) * بعقوبته * (بذنوبهم) * حين أصروا، واستمروا عليها. * (إنه قوي شديد العقاب) * فلم تغن قوتهم عند قوة الله شيئا. بل من أعظم الأمم قوة، قوم عاد الذين قالوا: * (من أشد منا قوة) * أرسل الله إليهم ريحا، أضعفت قواهم، ودمرتهم كل تدمير. ثم ذكر نموذجا من أحوال المكذبين بالرسل، وهو فرعون وجنوده فقال: * (ولقد أرسلنا موسى) * إلى قوله: * (أشد العذاب) * (إي) * (ولقد أرسلنا) * إلى جنس هؤلاء المكذبين * (موسى) * ابن عمران. * (بآياتنا) * العظيمة، الدالة دلالة قطعية، على حقيقة ما أرسل به، وبطلان ما عليه من أرسل إليهم من الشرك، وما يتبعه. * (وسلطان مبين) * أي: حجة بينة، تتسلط على القلوب، فتذعن لها، كالحية، والعصا، ونحوهما من الآيايت البينات، التي أيد الله بها موسى، ومكنه مما دعا إليه من الحق. * (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر ك ذاب * فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبنآء الذين آمنوا معه واستحيوا نسآءهم وما ك يد الكافرين إلا في ضلال * وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينك م أو أن يظهر في الأرض الفساد * وقال موسى إني عذت بربي وربك م من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب * وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب * يقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جآءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم إلا سبيل الرشاد * وقال الذي آمن يقوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب * مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد * ويقوم إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد * ولقد جاءك م يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءك م به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب * الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على ك ل قلب متكبر جبار * وقال فرعون يهامان ابن لي صرحا لع لي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إل ه موسى وإني لأظنه كاذبا وك ذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما ك يد فرعون إلا في تباب * وقال الذي آمن يقوم اتبعون أهدك م سبي ل الرش اد * يقوم إنما ه ذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار الق رار * من عم ل س يئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عم ل صالحا من ذك ر أو أنثى وهو مؤمن فأول ئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب * ويقوم ما لي أدعوك م إلى النجاة وتدعونني إلى النار * تدعونني لأك فر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار * لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنآ إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار * فستذكرون ما أقول لك م وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد * فوقاه الله سيئات ما مك روا وحاق بآل فرعون سوء العذاب * النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) * * (إلى) * المبعوث إليهم * (فرعون وهامان) * وزيره * (وقارون) * الذي كان من قوم موسى، فبغى عليهم بماله. وكلهم ردوا عليه أشد الرد * (فقالوا ساحر كذاب) *. * (فلما جاءهم بالحق من عندنا) * وأيده الله بالمعجزات الباهرة، الموجبة لتمام الإذعان، لم يقابلوها بذلك، ولم يكفهم مجرد الترك والإعراض، بل ولا إنكارها ومعارضتها بباطلهم. بل وصلت بهم الحال الشنيعة إلى أن * (قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم، وما كيد الكافرين) * حيث كادوا هذه المكيدة، وزعموا أنهم إذا قتلوا أبناءهم، لم يقووا، وبقوا في رقهم، وتحت عبوديتهم. * (وما كيد الكافرين إلا في ضلال) * حيث لم يتم لهم ما قصدوا، بل أصابهم ضد ما قصدوا، أهلكهم الله، وأبادهم عن آخرهم. (قاعدة) وتدبر هذه النكتة، التي يكثر مرورها بكتاب الله تعالى. إذا كان السياق في قصة معينة، أو على شيء معين، وأراد الله أن يحكم على ذلك المعين بحكم، لا يختص به ذكر الحكم، وعلقه على الوصف العام، ليكون أعم، وتندرج فيه الصورة، التي سبق الكلام لأجلها، وليندفع الإيهام باختصاص الحكم بذلك المعين. فلهذا لم يقل (وما كيدهم إلا في ضلال) بل قال: * (وما كيد الكافرين إلا في ضلال) * (و) * (قال فرعون) * متكبرا متجبرا، مغررا لقومه السفهاء: * (ذروني أقتل موسى وليدع ربه) * أي: زعم قبحه الله أنه لولا مراعاة خواطر قومه، لقتله، وأنه لا يمنعه من دعاء ربه. ثم ذكر الحامل له على إرادة قتله، وأنه نصح لقومه، وإزالة للشر في الأرض فقال: * (إني أخاف أن يبدل دينكم) * الذي أنتم عليه * (أو أن يظهر في الأرض الفساد) *. وهذا من أعجب ما يكون، أن يكون شر الخلق، ينصح الناس عن اتباع خير الخلق. هذا من التمويه والترويج، الذي لا يدخل إلا عقل من قال الله فيهم: * (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين) *. * (وقال موسى) * حين قال فرعون تلك المقالة الشنيعة، التي أوجبها له طغيانه، واستعان فيها بقوته واقتداره، مستعينا موسى بربه: * (إني عذت بربي وربكم) * أي: امتنعت بربوبيته، التي دبر بها جميع الأمور. * (من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) * أي: يحمله تكبره، وعدم إيمانه بيوم الحساب، على الشر والفساد. يدخل فيه فرعون وغيره، كما تقدم قريبا في القاعدة، فمنعه الله تعالى بلفطه، من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب. وقيض له من الأسباب، ما اندفع به عنه شر فرعون وملئه. ومن جملة الأسباب، هذا الرجل المؤمن، الذي من آل فرعون، من بيت المملكة، لا بد أن يكون له كلمة مسموعة، وخصوصا إذا كان يظهر موافقتهم، ويكتم إيمانه، فإنهم يراعونه في الغالب، ما لا يراعونه لو خالفهم في الظاهر. كما منع الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، بعمه أبي طالب من قريش، حيث كان أبو طالب كبيرا عندهم، موافقا لهم على دينهم، ولو كان مسلما لم يحصل منه ذلك المنع. فقال ذلك الرجل المؤمن الموفق العاقل الحازم، مقبحا فعل قومه، وشناعة ما عزموا عليه: * (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) * أي: كيف تستحلون قتله، وهذا ذنبه وجرمه، أن يقول ربي الله، ولم يكن أيضا قولا مجردا عن البينات، ولهذا قال: * (وقد جاءكم بالبينات من ربكم) * لأن بينته اشتهرت عندهم اشتهارا علم به الصغير والكبير، أي: فهذا لا يوجب قتله. فهلا أبطلتم قبل ذلك، ما جاء به من الحق، وقابلتم البرهان ببرهان يرده، ثم بعد ذلك نظرتم، هل يحل قتله إذا ظهرتم عليه بالحجة أم لا؟ فأما وقد ظهرت حجته، واستعلى برهانه،
(٧٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 731 732 733 734 735 736 737 738 739 740 741 ... » »»