تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٤١
والإهانة، جزاء على استكبارهم. * (الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنه ار مبص را إن الله لذو فضل على الناس ول كن أك ثر الناس لا يشكرون * ذلك م الله رب كم خالق ك ل شيء لا إل ه إلا هو فأنى تؤفكون * كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون * الله الذي جع ل لك م الأرض ق رارا والسماء بن آء وصورك م فأحسن صورك م ورزقك م من الطيبات ذلكم الله ربك م فت بارك الله رب العالمين * هو الحي لا إل ه إلا هو ف ادعوه مخلصين له الدين ألح مد لله رب العالمين) * تدبر هذه الآيات الكريمات، الدالة على سعة رحمة الله، وجزيل فضله، ووجوب شكره، وكمال قدرته، وعظيم سلطانه، وسعة ملكه، وعموم خلقه لجميع الأشياء، وكمال حياته، واتصافه بالحمد على كل ما اتصف به، من الصفات الكاملة، وما فعله من الأفعال الحسنة. وتمام ربويته، وانفراده فيها وأن جميع التدبير في العالم العلوي والسفلي في ماضي الأوقات وحاضرها، ومستقبلها، بيد الله تعالى، ليس لأحد من الأمر شيء، ولا من القدرة شيء. فينتج من ذلك، أنه تعالى المألوه المعبود وحده، الذي لا يستحق أحد غيره، من العبودية شيئا، كما لم يستحق من الربوبية شيئا. وينتج من ذلك، امتلاء القلوب بمعرفة الله تعالى، ومحبته، وخوفه، ورجائه. وهذان الأمران وهما معرفته وعبادته هما اللذان خلق الله الخلق لأجلهما. وهما الغاية المقصودة منه تعالى لعباده. توهما الموصلان إلى كل خير وفلاح وصلاح، وسعادة دنيوية وأخروية. وهما أشرف عطايا الكريم لعباده. وهما أشرف اللذات على الإطلاق. وهما اللذان إن فاتا، فات كل خير، وحضر كل شر. فنسأله تعالى أن يملأ قلوبنا بمعرفته ومحبته، وأن يجعل حركاتنا الباطنة والظاهرة، خالصة لوجهه، تابعة لأمره، إنه لا يتعاظمه سؤال، ولا يحفه نوال. فقوله تعالى: * (الله الذي جعل لكم الليل) * أي: لأجلكم جعل الله الليل مظلما. * (لتسكنوا فيه) * من حركاتكم، التي لو استمرت لضرت، فتأوون إلى فرشكم، ويلقي الله عليكم النوم، الذي يستريح به القلب والبدن وهو من ضروريات الآدمي لا يعيش بدونه. ويسكن فيه أيضا، كل حبيب إلى حبيبه، ويجتمع الفكر، وتقل الشواغل. * (و) * جعل تعالى * (النهار مبصرا) * منيرا بالشمس المستمرة في الفلك. فتقومون من فرشكم إلى أشغالكم الدينية والدنيوية. هذا لذكره وقراءته، وهذا لصلاته، وهذا لطلبه العلم ودراسته، وهذا لبيعه وشرائه. وهذا لبنائه أو حدادته، أو نحوها من الصناعات. وهذا لسفره برا وبحرا، وهذا لفلاحته، وهذا لتصليح حيواناته. * (إن الله لذو فضل) * أي: عظيم، كما يدل عليه التنكير * (على الناس) *. حيث أنعم عليهم بهذه النعم وغيرها، وصرف عنه النقم، وهذا يوجب عليهم، تمام شكره وذكره. * (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) * بسبب جهلهم وظلمهم. * (وقليل من عبادي الشكور) * الذين يقرون بنعمة ربهم، ويخضعون لله، ويحبونه، ويصرفونها في طاعة مولاهم ورضاه. * (ذلكم) * الذي فعل ما فعل * (الله ربكم) * أي: المنفرد بالإلهية، والمنفرد بالربوبية. لأن انفراده بهذه النعم، من ربوبيته، وإيجابها للشكر، من ألوهيته. * (خالق كل شيء) * تقرير لربوبيته. * (لا إله إلا هو) * تقرير أنه المستحق للعبادة وحده، لا شريك له. ثم صرح بالأمر بعبادته فقال: * (فأنى تؤفكون) * أي: كيف تصرفون عن عبادته، وحده لا شريك له، بعدما أبان لكم الدليل، وأنار لكم السبيل؟ * (كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون) * أي: عقوبة على جحدهم لآيات الله، وتعديهم على رسله، صرفوا عن التوحيد والإخلاص كما قال تعالى: * (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) *. * (والله الذي جعل لكم الأرض قرارا) * أي: قارة ساكنة، مهيأة لكل مصالحكم، تتمكنون من حرثها وغرسها، والبناء عليها، والسفر، والإقامة فيها. * (والسماء بناء) * سقفا للأرض، التي أنتم فيها، قد جعل الله فيها ما تنتفعون به من الأنوار والعلامات، التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. * (وصوركم فأحسن صوركم) * فليس في جنس الحيوانات، أحسن صورة من بني آدم. كما قال تعالى: * (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) *. وإذا أردت أن تعرف حسن الآدمي وكمال حكمة الله تعالى فيه، فانظر إليه، عضوا عضوا، هل تجد عضوا من أعضائه، يليق به ويصلح أن يكون في غير محله؟ وانظر أيضا، إلى الميل الذي في القلوب، بعضهم لبعض، هل تجد ذلك في غير الآدميين؟ وانظر إلى ما خصه الله به من العقل والإيمان، والمحبة والمعرفة، التي هي أحسن الأخلاق المناسبة لأجمل الصور. * (ورزقكم من الطيبات) * وهذا شامل لكل طيب، من مأكل،
(٧٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 736 737 738 739 740 741 742 743 744 745 746 ... » »»