تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٤٠
ما جرى لموسى وفرعون، وما آل إليه أمر فرعون وجنوده، ثم ذكر الحكم العام الشامل له، ولأهل النار، ذكر أنه أعطى موسى * (الهدى) * أي: الآيات، والعلم، الذي يهتدي به المهتدون. * (وأورثنا بني إسرائيل الكتاب) * أي: جعلناه متوارثا بينهم، من قرن إلى آخر، وهو التوراة. وذلك الكتاب مشتمل على * (هدى) * وهو: العلم بالأحكام الشرعية وغيرها. * (وذكرى) * أي: التذكر للخير، بالترغيب فيه، وعن الشر، بالترهيب عنه. وليس ذلك لكل أحد، وإنما هو * (لأولي الألباب) *. * (فاصبر) * يا أيها الرسول، كما صبر من قبلك، من المرسلين أولي العزم. * (إن وعد الله حق) * أي: ليس مشكوكا فيه، أو فيه ريب أو كذب، حتى يعسر عليك الصبر. وإنما هو الحق المحض، والهدف الصرف، الذي يصبر عليه الصابرون، ويجتهد في التمسك به، أهل البصائر. فقوله: * (إن وعد الله حق) * من الأسباب التي تحث على الصبر على طاعة الله، والكف عن ما يكره الله. * (واستغفر لذنبك) * المانع لك من تحصيل فوزك وسعادتك. فأمره بالصبر الذي فيه يحصل المحبوب، وبالاستغفار، الذي في دفع المحذور. * (وسبح بحمد ربك) * خصوصا * (بالعشي والإبكار) * اللذين هما أفضل الأوقات، وفيهما من الأوراد والوظائف الواجبة والمستحبة ما فيهما لأن في ذلك عونا على جميع الأمور. * (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر م ا هم ببالغيه فاستعذ بالله إن ه هو السميع البصير) * يخبر تعالى أن من جادل في آياته ليبطلها بالباطل، بغير بينة من أمره، لا حجة، إن هذا صادر، من كبر في صدورهم على الحق، وعلى من جاء به، يردون الاستعلاء عليه، بما معهم من الباطل، فهذا قصدهم ومرادهم. ولكن هذا، لا يتم لهم، وليسوا ببالغيه. فهذا نص صريح، وبشارة، بأن كل من جادل الحق مغلوب، وكل من تكبر عليه، فهو في نهايته ذليل. * (فاستعذ) * أي: الجأ واعتصم * (بالله) * ولم يذكر ما يستعيذ منه، إرادة للعموم. أي: استعذ بالله، من الكبر الذي يوجب التكبر عل الحق. واستعذ بالله من شياطين الإنس والجن، واستعذ بالله من جميع الشرور. * (إنه هو السميع) * لجميع الأصوات على اختلافها. * (البصير) * بجميع المرئيات، بأي محل وموضع وزمان كانت. * (لخلق السماوات والأرض أك بر من خلق الناس ول كن أك ثر الناس لا يعلمون * وما يستوي الأع مى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ قلي لا ما تتذكرون * إن الساعة لآتي ة لا ريب فيها ول كن أكثر الناس لا يؤمنون) * يخبر تعالى بما تقرر في العقول، أن خلق السماوات والأرض على عظمهما وسعتهما أعظم وأكبر، من خلق الناس فإن الناس بالنسبة إلى خلق السماوات والأرض من أصغر ما يكون. فالذي خلق الأجرام العظيمة وأتقنها، قادر على إعادة الناس بعد موتهم من باب أولى وأحرى. وهذا أحد الأدلة العقلية الدالة على البعث، دلالة قاطعة، بمجرد نظر العاقل إليها، يستدل بها استدلالا، لا يقبل الشك والشبهة، بوقوع ما أخبرت به الرسل من البعث. وليس كل أحد يجعل فكره لذلك، ويقبل على تدبره، ولهذا قال: * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * ولذلك لا يعتبرون بذلك، ولا يجعلونه منهم على بال. ثم قال تعالى: * (وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ) * أي: كما لا يستوي الأعمى والبصير، كذلك لا يستوي من آمن بالله، وعمل الصالحات، ومن كان مستكبرا على عبادة ربه، مقدما على معاصيه، ساعيا في مساخطه. * (قليلا ما تتذكرون) * أي: تذكركم قليل، وإلا، فلو تذكرتم مراتب الأمور، ومنازل الخير والشر، والفرق بين الأبرار والفجار، وكانت لكم همة عليه، لآثرتم النافع على الضار، والهدى على الضلال، والسعادة الدائمة، على الدنيا الفانية. * (إن الساعة لآتية لا ريب فيها) * قد أخبرت بها الرسل، الذين هم أصدق الخلق. ونطقت بها الكتب السماوية، التي جميع أخبارها أعلى مراتب الصدق، وقامت عليها، الشواهد المرئية، والآيات الأفقية. * (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) * مع هذه الأمور، التي توجب كمال التصديق والإذعان. * (وقال ربك م ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) * هذا من لطفه بعباده، ونعمته العظيمة، حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم. وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة، ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم. وتوعد من استكبر عنها فقال: * (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) * أي: ذليلين حقيرين، يجتمع عليهم العذاب
(٧٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 735 736 737 738 739 740 741 742 743 744 745 ... » »»