تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٣٣
* (فقد رحمته) * لأن رحمتك لم تزل مستمرة على العباد، لا يمنعها إلا ذنوب العباد وسيئاتهم، فمن وقيته السيئات فقد وفقته للحسنات وجزائها الحسن. * (وذلك) * أي: زوال المحذور، بوقاية السيئات، وحصول المحبوب، بحصول الرحمة. * (وهو الفوز العظيم) * الذي لا فوز مثله، ولا يتنافس المتنافسون بأحسن منه. وقد تضمن هذا الدعاء من الملائكة، كمال معرفتهم بربهم، والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى، التي يحب من عباده، التوسل بها إليها، والدعاء بما يناسب ما دعوا الله فيه. فلما كان دعاؤهم بحصول الرحمة، وإزالة أثر ما اقتضته النفوس البشرية، التي علم الله نقصها، واقتضاءها لما اقتضته من المعاصي، ونحن ذلك من المبادئ والأسباب، التي قد أحاط الله بها علما، توسلوا بالرحيم العليم. وتضمن كمال أدبهم مع الله تعالى بإقرارهم بربوبيته لهم، الربوبية العامة والخاصة، وأنه ليس لهم من الأمر شيء، وإنما دعاؤهم لربهم، صدر من فقير بالذات، من جميع الوجوه، لا يدلي على ربه، بحالة من الأحوال، إن هو إلا فضل الله، وكرمه وإحسانه. وتضمن موافقتهم لربهم تمام الموافقة، بمحبة ما يحبه من الأعمال، التي هي العبادات التي قاموا بها، واجتهدوا اجتهاد المحبين، ومن العمال، الذين هم المؤمنون، الذين يحبهم الله تعالى من بين خلقه. فسائر الخلق المكلفين، يبغضهم الله إلا المؤمنين منهم. فمن محبة الملائكة لهم، دعوا الله، واجتهدوا في صلاح أحوالهم، لأن الدعاء للشخص، من أدل الدلائل على محبته، لأنه لا يدعو إلا لمن يحبه. وتضمن ما شرحه الله وفصله من دعائهم بعد قوله: * (ويستغفرون للذين آمنوا) * التنبيه اللطيف على كيفية تدبر كتابه، وأن لا يكون المتدبر مقتصرا على مجرد معنى اللفظ بمفرده. بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ فإذا فهمه فهما صحيحا على وجهه، نظر بعقله إلى ذلك الأمر، والطرق الموصلة إليه، وما لا يتم إلا به، وما يتوقف عليه، وجزم بأن الله أراده، كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص، الدال عليه اللفظ. والذي يوجب الجزم له، بأن الله أراده أمران: أحدهما: معرفته وجزمه، بأنه من توابع المعنى، والمتوقف عليه. والثاني: علمه بأن الله بكل شيء عليم، وأن الله أمر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه. وقد علم تعالى، ما يلزم من تلك المعاني، وهو المخبر بأن كتابه هدى، ونور، وتبيان لكل شيء، وأنه أفصح الكلام، وأجله إيضاحا. فبذلك يحصل للعبد، من العلم العظيم، والخير الكثير، بحسب ما وفقه الله له. وقد كان في تفسيرنا هذا، كثير من هذا من به الله علينا. وقد يخفى في بعض الآيات، مأخذه على غير المتأمل، صحيح الفكرة. ونسأله تعالى، أن يفتح علينا من خزائن رحمته، ما يكون سببا لصلاح أحوالنا، وأحوال المسلمين. فليس لنا، إلا التعلق بكرمه، والتوسل بإحسانه، الذي لا نزل نتقلب فيه، في كل الآنات، وفي جميع اللحظات. ونسأله من فضله، أن يقينا شر أنفسنا المانع والمعوق، لوصول رحمته، إنه الكريم الوهاب، الذي تفضل بالأسباب ومسبباتها. وتضمن ذلك، أن المقارن، من زوج، وولد، وصاحب، يسعد بقرينه، ويكون اتصاله به، سببا لخير يحصل له، خارج عن عمله، وسبب عمله، كما كانت الملائكة، تدعو للمؤمنين، ولمن صلح من آبائهم، وأزواجهم، وذرياتهم. وقد يقال: إنه لا بد من وجود صلاحهم لقوله: * (ومن صلح) * فحينئذ يكون ذلك، من نتيجة عملهم، والله أعلم. * (إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسك م إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون * قالوا ربنآ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل * ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده ك فرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العل ي الكبير) * يخبر تعالى، عن الفضيحة والخزي، الذي يصيب الكافرين، وسؤالهم الرجعة، والخروج من النار، وامتناع ذلك عليهم، وتوبيخهم، فقال: * (إن الذين كفروا) * أطلقه ليشمل أنواع الكفر كلها، من الكفر بالله، أو بكتبه، أو برسله، أو باليوم الآخر، حين يدخلون النار، ويقرون أنهم يستحقونها، لما فعلوه من الذنوب والأوزار، فيمقتون أنفسهم لذلك أشد المقت، ويغضبون عليها غاية الغضب، فينادون عند ذلك. ويقال لهم: * (لمقت الله) * أي: إياكم * (إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون) * أي: حين دعتكم الرسل وأتباعهم، إلى الإيمان، وأقاموا لكم من البينات، ما تبين به الحق، فكفرتم، وزهدتم في الإيمان، الذي خلقكم الله له، وخرجتم من رحمته الواسعة، فمقتكم وأبغضكم. فهذا * (أكبر من مقتكم أنفسكم) * أي: فلم يزل هذا المقت، مستمرا عليكم، والسخط من الكريم حالا بكم، حتى آلت بكم الحال، إلى ما آلت. فاليوم حل عليكم غضب الله وعقابه، حين نال المؤمنون رضوان الله وثوابه. فتمنوا الرجوع، و * (قالوا ربنا أمتنا اثنتين) * يريدون الموتة الأولى، وما بين النفختين على ما قيل، أو العدم
(٧٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 728 729 730 731 732 733 734 735 736 737 738 ... » »»