تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٣٨
زلتم في شك مما جاءكم به) * في حياته * (حتى إذا هلك) * ازداد شككم وشرككم. و * (قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا) * أي: ظنكم الباطل، وحسبانكم الذي لا يليق بالله تعالى، فإنه تعالى لا يترك خلقه سدى، لا يأمرهم وينهاهم، بل يرسل إليهم رسله. والظن بأن الله لا يرسل رسولا، ظن ضلال، ولهذا قال: * (كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) * وهذا هو وصفهم الحقيقي، الذي صفوا به موسى، ظلما وعلوا. فهم المسرفون، بتجاوزهم الحق، وعدولهم عنه إلى الضلال. وهم الكذبة، حيث نسبوا ذلك إلى الله، وكذبوا رسوله. فالذي وصفه السرف والكذب، لا ينفك عنهما، لا يهديه الله، ولا يوفقه للخير، لأنه رد الحق بعد أن وصل إليه وعرفه. فجزاؤه أن يعاقبه، بأن يمنعه الهدى كما قال تعالى: * (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم * (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) * * (والله لا يهدي القوم الظالمين) *. ثم ذكر وصف المسرف المرتاب فقال: * (الذين يجادلون في آيات) * التي بينت الحق من الباطل، وصارت من ظهورها بمنزلة الشمس للبصر. فهم يجادلون فيها على وضوحها، ليدفعوها ويبطلوها * (بغير سلطان أتاهم) * أي: بغير حجة وبرهان، وهذا وصف لازم، لكل من جادل في آيات الله، فإنه من المحال، أن يجادل بسلطان؛ لأن الحق لا يعارضه معارض، فلا يمكن أن يعارض بدليل شرعي أو عقلي أصلا. * (كبر) * ذلك القول المتضمن لرد الحق بالباطل * (مقتا عند الله وعند الذين آمنوا) *. فالله أشد بغضا لصاحبه؛ لأنه تضمن التكذيب بالحق، والتصديق بالباطل، ونسبته إليه. وهذه أمور يشتد بغض الله لها ولمن اتصف بها، وكذلك عباده المؤمنون يمقتون على ذلك أشد المقت موافقة لربهم، وهؤلاء خواص خلق الله تعالى فمقتهم دليل على شناعة من مقتوه، * (كذلك) * أي: كما طبع على قلوب آل فرعون * (يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) * متكبر في نفسه على الحق برده وعلى الخلق باحتقارهم، جبار بكثرة ظلمه وعدوانه. * (وقال فرعون) * معارضا لموسى، ومكذبا له في دعوته إلى الإقرار برب العالمين، الذي على العرش استوى، وعلى الخلق اعتلى: * (يا هامان ابن لي صرحا) * أي: بناء عظيما مرتفعا. والقصد منه * (لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا) * في دعواه أن لنا ربا، وأنه فوق السماوات. ولكنه يريد أن يحتاط فرعون، ويختبر الأمر بنفسه، قال الله تعالى في بيان الذي حمله على هذا القول: * (وكذلك زين لفرعون سوء عمله) * فزين له العمل السئ، فلم يزل الشيطان يزينه، وهو يدعو إليه ويحسنه، حتى رآه حسنا، ودعا إليه وناظر فيه مناظرة المحقين، وهو من عظم المفسدين. * (وصد عن السبيل) * الحق، بسبب الباطل الذي زين له. * (وما كيد فرعون) * الذي أراد أن يكيد به الحق، ويوهم به الناس أنه محق، وأن موسى مبطل * (إلا في تباب) * أي: خسارة وبوار، لا يفيده إلا الشقاء، في الدنيا والآخرة. * (وقال الذي آمن) * معيدا نصيحته لقومه: * (يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) * لا كما يقول لكم فرعون، فإنه لا يهديكم إلا طريق الغي والفساد. * (يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع) * يتمتع بها ويتنعم قليلا، ثم تنقطع وتضمحل. فلا تغرنكم وتخدعنكم عما خلقتم له * (وإن الآخرة هي دار القرار) * التي هي محل الإقامة، ومنزل السكون والاستقرار، فينبغي لكم أن تؤثروها، وتعملوا لها عملا يسعدكم فيها. * (من عمل سيئة) * من شرك أو فسوق أو عصيان * (فلا يجزى إلا مثلها) * أي: لا يجازي إلا بما يسوؤه ويحزنه، بقدر إساءته، وما تستحقه؛ لأن جزاء السيئة السوء. * (ومن عمل صالحا من ذكر وأنثى) * من أعمال القلوب والجوارح، وأقوال اللسان * (وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) * أي: يعطون أجرهم بلا حد ولا وعد، بل يعطيهم الله ما لا تبلغه أعمالهم. * (ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة) * بما قلت لكم * (وتدعونني إلى النار) * بترك اتباع نبي الله موسى عليه السلام. ثم فسر ذلك فقال: * (تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم) * أنه يستحق أن يعبد من دون الله، والقول على الله بلا علم، من أكبر الذنوب وأقبحها. * (وأنا أدعوكم إلى العزيز) * الذي له القوة كلها، وغيره ليس بيده من الأمر شيء. * (الغفار) * الذي يسرف العباد على أنفسهم ويتجرؤون على مساخطه. ثم إذا تابوا، وأنابوا إليه، كفر عنهم السيئات والذنوب، ودفع موجباتها، من العقوبات الدنيوية والأخروية. * (لا جرم) * أي: حقا يقينا * (أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة) * أي: لا يستحق الدعوة إليه والحق على اللجأ إليه، في الدنيا، ولا في الآخرة، لعجزه ونقصه، وأنه لا يملك نفعا
(٧٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 733 734 735 736 737 738 739 740 741 742 743 ... » »»