تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٣٢
تقلبهم في البلاد) * أي: ترددهم فيها، بأنواع التجارات والمكاسب. بل الواجب على العبد، أن يعتبر الناس بالحق، وينظر إلى الحقائق الشرعية، ويزن بها الناس، ولا يزن الحق بالناس، كما عليه من لا علم ولا عقل له. ثم هدد من جادل بآيات الله ليبطلها، كما فعل من قبله من الأمم من * (قوم نوح) * (وعاد) * (والأحزاب من بعدهم) * الذين تحزبوا، وتجمعوا على الحق ليبطلوه، وعلى الباطل لينصروه. * (و) * أنه بلغت بهم الحال، وآل بهم التحزب إلى أنه * (همت كل أمة) * من الأمم * (برسولهم ليأخذوه) * أي: يقتلوه. وهذا أبلغ ما يكون للرسل، الذين هم قادة أهل الخير، الذين معهم الحق الصرف، الذي لا شك فيه، ولا اشتباه، هموا بقتلهم. فهل بعد هذا البغي والضلال والشقاء، إلا العذاب العظيم، الذي لا يخرجون منه؟ ولهذا قال في عقوبتهم الدنيوية والأخروية: * (فأخذتهم) * أي: بسب تكذيبهم وتحزبهم * (فكيف كان عقاب) * كان أشد العقاب وأفظعه، إن هو إلا صيحة، أو حاسب ينزل عليهم، أو يأمر الأرض أن تأخذهم، أو البحر أن يغرقهم، فإذا هم خامدون. * (وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا) * أي: كما حقت على أولئك، حقت عليهم كلمة الضلال، التي نشأت عنها كلمة العذاب، ولهذا قال: * (أنهم أصحاب النار) *. * (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت ك ل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن ص لح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم * وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم) * يخبر تعالى، عن كمال لطفه بعباده المؤمنين، وما قيض لأسباب سعادتهم، من الأسباب الخارجة عن قدرهم، من استغفار الملائكة المقربين لهم، ودعائهم لهم، بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم. وفي ضمن ذلك، الإخبار عن شرف حملة العرش ومن حوله، وقربهم من ربهم، وكثرة عبادتهم، ونصحهم لعباد الله، لعلمهم أن الله يحب ذلك منهم فقال: * (الذين يحملون العرش) * أي: عرش الرحمن، الذي هو سقف المخلوقات، وأعظمها، وأوسعها، وأحسنها، وأقربها من الله تعالى، الذي وسع الأرض والسماوات، والكرسي. وهؤلاء الملائكة، قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه العظيم، فلا شك أنهم من أكبر الملائكة، وأعظمهم، وأقواهم. واختيار الله إياهم، لحمل عرشه، وتقديمهم في الذكر، وقربهم منه، يدل على أنهم أفضل أجناس الملائكة، عليهم السلام، قال تعالى: * (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) *. * (ومن حوله) * من الملائكة المقربين في المنزلة والفضيلة * (يسبحون بحمد ربهم) * هذا مدح لهم، بكثرة عبادتهم لله تعالى، وخصوصا، التسبيح والتحميد. وسائر العبادات، تدخل في تسبيح الله وتحميده، لأنها تنزيه له، عن كون العبد يصرفها لغيره، وحمد له تعالى، بل الحمد هو العبادة لله تعالى. وأما قول العبد: (سبحان الله وبحمده) فهو داخل في ذلك وهو من جملة العبادات. * (ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) * وهذا من جملة فوائد الإيمان، وفضائله الكثيرة جدا، أن الملائكة الذين يؤمنون بالله، ولا ذنوب عليهم، يستغفرون لأهل الإيمان، فالمؤمن بإيمانه، تسبب لهذا الفضل العظيم. ولما كانت المغفرة، لها لوازم، لا تتم إلا بها غير ما يتبادر إلى كثير من الأذهان، أن سؤالها وطلبها، غايته مجرد مغفرة الذنوب ذكر تعالى صفة دعائهم لهم بالمغفرة، بذكر ما لا تتم إلا به فقال: * (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما) * فعلمك قد أحاط بكل شيء، ولا يخفى عليك منه خافية، ولا يعزب عن علمك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك، ولا أكبر، ورحمتك وسعت كل شيء. فالكون علوية وسفليه، قد امتلأ برحمة الله تعالى، ووسعتهم، ووصل إلى ما وصل إليه خلقه. * (فاغفر للذين تابوا) * من الشرك والمعاصي * (واتبعوا سبيلك) * باتباع رسلك، بتوحيدك وطاعتك. * (وقهم عذاب الجحيم) * أي: قهم العذاب نفسه، وقهم أسباب العذاب. * (ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم) * على ألسنة رسلك * (ومن صلح) * أي: صلح بالإيمان، والعمل الصالح * (من آبائهم وأزواجهم) * زوجاتهم وأزواجهن، وأصحابهم، ورفقائهم * (وذرياتهم) *. * (إنك أنت العزيز) * القاهر لكل شيء، فبعزتك تغفر ذنوبهم، وتكشف عنهم المحذور، وتوصلهم بها إلى كل خير * (الحكيم) * الذي يضع الأشياء مواضعها. فلا نسألك، يا ربنا، أمرا تقتضي حكمتك خلافه. بل من حكمتك، التي أخبرت بها على ألسنة رسلك، واقتضاها فضلك، المغفرة للمؤمنين. * (وقهم السيئات) * أي: جنبهم الأعمال السيئة وجزاءها، لأنها تسوء صاحبها. * (ومن تق السيئات يومئذ) * أي: يوم القيامة
(٧٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 727 728 729 730 731 732 733 734 735 736 737 ... » »»