يحكمون لأنفسهم بغير ذلك. * (وبدا لهم سيئات ما كسبوا) * أي: الأمور التي تسوؤهم، بسبب صنيعهم وكسبهم. * (وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) * من الوعيد والعذاب الذي نزل بهم، وما حل عليهم من العقاب. * (فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ول كن أكثرهم لا يعلمون * قد قالها الذين من قبلهم فمآ أغنى عنهم ما كانوا يكسبون * فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من ه ؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين * أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * يخبر تعالى عن حالة الإنسان وطبيعته، أنه حين يمسه ضر، من مرض، أو شدة، أو كرب. * (دعانا) * ملحا في تفريج ما نزل به * (ثم إذا خولناه) * أي: أعطيناه * (نعمة منا) * فكشفنا ضره وأزلنا مشقته، عاد بربه كافرا، ولمعروفه منكرا. و * (قال إنما أوتيته على علم) * أي: علم من الله، أني له أهل، وأني مستحق له، لأني كريم عليه، أو على علم مني، بطرق تحصيله. قال تعالى: * (بل هي فتنة) * يبتلي الله بها عباده، لينظر من يشكره ممن يكفره. * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * فلذلك يعدون الفتنة منحة. ويشتبه عليهم الخير المحض، بما قد يكون سببا للخير أو للشر. قال تعالى: * (قد قالها الذين من قبلهم) * أي: قولهم * (إنما أوتيته على علم) *. فما زالت متوارثة عند المكذبين، لا يقرون بنعمة ربهم، ولا يرون له حقا. فلم يزل دأبهم، حتى أهلكوا، * (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) * حين جاءهم العذاب. * (فأصابهم سيئات ما كسبوا) * والسيئات في هذا الموضع: العقوبات، لأنها تسوء الإنسان وتحزنه. * (والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا) * فليسوا خيرا من أولئك ولم يكتب لهم براءة في الزبر. ولما ذكر أنهم اغتروا بالمال، وزعموا بجهلهم، أنه يدل على حسن حال صاحبه: أخبرهم تعالى، أن رزقه، لا يدل على ذلك، و * (أن الله يبسط الرزق لمن يشاء) * من عباده، سواء كان صالحا أو طالحا * (ويقدر) * الرزق. أي: يضيقه، على من يشاء، صالحا أو طالحا، فرزقه مشترك بين البرية. والإيمان والعمل الصالح يخص به، خير البرية. * (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * أي: بسط الرزق وقبضه، لعلمهم أن مرجع ذلك، عائد إلى الحكمة والرحمة، وأنه أعلم بحال عبيده. فقد يضيق عليهم الرزق لطفا بهم؛ لأنه لو بسطه لبغوا في الأرض، فيكون تعالى مراعيا في ذلك، صلاح دينهم الذي هو مادة سعادتهم وفلاحهم، والله أعلم. * (قل يعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأن يبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * واتبع وا أحسن ما أنزل إليكم من ربك م من قبل أن يأتيك م العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون * أن تقول نفس يحسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لك نت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي ك رة فأكون من المحسنين * بلى قد جآءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين) * يخبر تعالى عباده المسرفين (أي: المكثرين من الذنوب) بسعة كرمه ويحثهم على الإنابة، قبل أن لا يمكنهم ذلك فقال: * (قل) * يا أيها الرسول ومن قام مقامه، من الدعاة لدين الله، مخبرا للعباد عن ربهم: * (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) * باتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب، والسعي في مساخط علام الغيوب. * (ولا تقنطوا من رحمة الله) * أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا، وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها، ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك، مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم، بأسمائه الدالة على كرمه وجوده. واعلموا * (إن الله يغفر الذنوب جميعا) * من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار. * (إنه هو الغفور الرحيم) * أي: وصفه المغفرة والرحمة، وصفان لازمان، ذاتيان، لا تنفك ذاته عنهما، ولم تزل آثارهما، سارية في الوجود، مالئة للموجود. تسح يداه من الخيرات، آناء الليل والنهار، ويوالي النعم والفواضل على العباد في السر والجهار، والعطاء أحب إليه من المنع، والرحمة سبقت الغضب وغلبته. ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب، إن لم يأت بها العبد، فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة، أعظمها وأجلها، بل لا سبب لها غيره، الإنابة إلى الله تعالى بالتوبة النصوح، والدعاء، والتضرع، والتأله، والتعبد. فهلم إلى هذا السبب الأجل، والطريق الأعظم. ولهذا أمر تعالى بالإنابة إليه، والمبادرة إليها فقال: * (وأنيبوا إلى ربكم) * بقلوبكم * (وأسلموا له) * بجوارحكم. إذا أفردت الإنابة، دخلت فيها أعمال الجوارح، وإذا جمع بينهما، كما في هذا الموضع، كان المعنى ما ذكرنا. وفي قوله: * (إلى ربكم وأسلموا له) * دليل على الإخلاص، وأنه من دون إخلاص، لا تفيد الأعمال الظاهرة والباطنة، شيئا. * (من قبل أن يأتيكم العذاب) * مجيئا لا يدفع * (ثم لا تنصرون) *. فكأنه قيل: ما هي الإنابة والإسلام؟ وما جزئياتهما وأعمالهما؟ فأجاب تعالى بقوله: * (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) * مما أمركم من الأعمال الباطنة، كمحبة الله، وخشيته، وخوفه، ورجائه، والنصح لعباده، ومحبة الخير لهم، وترك ما يضاد ذلك. ومن الأعمال الظاهرة، كالصلاة،
(٧٢٧)