تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٣١
لأنها الدار الطيبة، ولا يليق بها إلا الطيبون. وقال في النار * (فتحت أبوابها) * وفي الجنة * (وفتحت) * بالواو، إشارة إلى أن أهل النار، بمجرد وصولهم إليها، فتحت لهم أبوابها، من غير إنظار ولا إمهال. وليكون فتحها في وجوههم، وعلى وصولهم، لحرها، وأشد لعذابها. وأما الجنة، فإنها الدار العالية الغالية، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها، ومع ذلك، فيحتاجون لدخولها إلى الشفاعة عند أكرم الشفعاء عليه، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها. بل يستشفعون إلى الله بمحمد صلى الله عليه وسلم، حتى يشفع، فيشفعه الله تعالى. وفي الآيات، دليل على أن النار والجنة، لهما أبواب، تفتح وتغلق، وأن لكل منهما خزنة. وهما الداران الخالصتان، اللتان لا يدخل فيهما، إلا من استحقهما، بخلاف سائر الأمكنة والدور. * (وقالوا) * عند دخولهم فيها، واستقرارهم، حامدين ربهم على ما أولاهم، ومن عليهم، وهداهم: * (الحمد لله الذي صدقنا وعده) * أي: وعدنا الجنة على ألسنة رسله، إن آمنا وصلحنا، فوفى لنا بما وعدنا، وأنجز لنا ما منانا. * (وأورثنا الأرض) * أي: أرض الجنة * (نتبوأ من الجنة حيث نشاء) * أي: ننزل منها أي مكان شئنا، ونتناول منها، أي نعيم أردنا، ليس ممنوعا عنا شيء نريده. * (فنعم أجر العاملين) * الذين اجتهدوا بطاعة ربهم، في زمن قليل منقطع، فنالوا بذلك خيرا عظيما باقيا مستمرا. وهذه الدار، التي تستحق المدح على الحقيقة، التي يكرم الله فيها خواص خلقه. ورضيها الجواد الكريم لهم نزلا، وبنى أعلاها وأحسنها، وغرسها بيده، وحشاها من رحمته وكرامته، ما ببعضه يفرح الحزين، ويزول الكدر، ويتم الصفاء. * (وترى الملائكة) * أيها الرائي ذلك اليوم العظيم * (حافين من حول العرش) * أي: قد قاموا في خدمة ربهم، واجتمعوا حول عرشه، خاضعين لجلاله، معترفين بكماله، مستغرقين بجماله. * (يسبحون بحمد ربهم) * أي: ينزهونه عن كل ما لا يليق بجلاله، مما نسب إليه المشركون، وما لم ينسبوا. * (وقضي بينهم) * أي: بين الأولين والآخرين من الخلق * (بالحق) * الذي لا اشتباه فيه ولا إنكار، ممن عليه الحق. * (وقيل الحمد لله رب العالمين) * لم يذكر القائل من هو، ليدل ذلك على أن جميع الخلق، نطقوا بحمد ربهم، وحكمته على ما قضى به على أهل الجنة، وأهل النار، حمد فضل وإحسان، وحمد عدل وحكمة. سورة غافر * (ح م * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إل ه إلا هو إليه المصير) * يخبر تعالى عن كتابه العظيم، وأنه صادر ومنزل من الله، المألوه المعبود، لكماله، وانفراده بأفعاله. * (العزيز) * الذي قهر بعزته كل مخلوق * (العليم) * بكل شيء. * (غافر الذنب) * للمذنبين * (وقابل التوب) * من التائبين. * (شديد العقاب) * على من تجرأ على الذنوب، ولم يتب منها * (ذي الطول) * أي: التفضل والإحسان الشامل. فلما قرر ما قرر من كماله، وكان ذلك موجبا لأن يكون وحده المألوه، الذي تخلص له الأعمال قال: * (لا إله إلا هو إليه المصير) *. ووجه المناسبة بذكر نزول القرآن من الله، الموصوف بهذه الأوصاف، أن هذه الأوصاف، مستلزمة لجميع ما يشتمل عليه القرآن، من المعاني. فإن القرآن: إما إخبار عن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله؛ وهذه أسماء، وأوصاف، وأفعال. وإما إخبار عن نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، وما يوصل إلى ذلك من الأوامر. فذلك يدل عليه قوله: * (ذي الطول) *. وإما إخبار عن نقمه الشديدة، وعما يوجبها ويقتضيها من المعاصي، فذلك يدل عليه * (شديد العقاب) *. وإما دعوة للمذنبين إلى التوبة والإنابة، والاستغفار فذلك يدل عليه قوله: * (غافر الذنب وقابل التوب) *. وإما إخبار بأنه وحده، المألوه المعبود، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على ذلك، والحث عليه، والنهي عن عبادة ما سوى الله وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على فسادها، والترهيب منها، فذلك يدل عليه قوله تعالى: * (لا إله إلا هو) *. وإما إخبار عن حكمه الجزائي العدل، وثواب المحسنين، وعقاب العاصين، فهذا يدل عليه قوله: * (إليه المصير) *. فهذا جميع ما يشتمل عليه القرآن من المطالب العاليات. * (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد * ك ذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت ك ل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب * وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار) * يخبر تبارك وتعالى أنه * (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) * والمراد بالمجادلة هنا، المجادلة لرد آيات الله، ومقابلتها بالباطل فهذا من صنيع الكفار. وأما المؤمنون، فيخضعون للحق، ليدحضوا به الباطل. ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بحالة الإنسان الدنيوية، ويظن أن إعطاء الله إياه في الدنيا، دليل على محبته له، وأنه على الحق، لهذا قال: * (فلا يغررك
(٧٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 726 727 728 729 730 731 732 733 734 735 736 ... » »»