تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٢٤
سهل المعاني، خصوصا على العرب. * (غير ذي عوج) * أي: ليس فيه خلل ولا نقص بوجه من الوجوه، لا في ألفاظه، ولا في معانيه، وهذا يستلزم كمال اعتداله واستقامته كما قال تعالى: * (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما) *. * (لعلهم يتقون) * الله تعالى، حيث سهلنا عليهم طرق التقوى، العلمية والعملية، بهذا القرآن العربي المستقيم، الذي ضرب الله فيه من كل مثل. ثم ضرب مثلا للشرك والتوحيد فقال: * (ضرب الله مثلا رجلا) * أي: عبدا * (فيه شركاء متشاكسون) * فهم كثيرون، وليسوا متفقين على أمر من الأمور، وحالة من الحالات، حتى تمكن راحته، بل هم متشاكسون متنازعون فيه، كل له مطلق، يريد تنفيذه، ويريد الآخر غيره. فما تظن حال هذا الرجل، مع هؤلاء الشركاء المتشاكسين؟ * (ورجلا سليما لرجل) * أي: خالصا له، قد عرف مقصود سيده، وحصلت له الراحة التامة. * (هل يستويان) * أي: هذان الرجلان * (مثلا) *؟ لا يستويان. كذلك المشرك، فيه شركاء متشاكسون، يدعو هذا، ثم يدعو هذا. فتراه لا يستقر له قرار، ولا يطمئن قلبه في موضع. والموحد مخلص لربه، قد خلصه الله من الشركة لغيره، فهو في أتم راحة، وأكمل طمأنينة. * (هل يستويان مثلا الحمد لله) * على تبيين الحق من الباطل، وإرشاد الجهال. * (بل أكثرهم لا يعلمون) * (ما يصيرون إليه من العذاب من جراء شركهم). * (إنك ميت وإنهم ميتون) * أي: كلكم لا بد أن يموت * (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) *. * (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) * فيما تنازعتم فيه، فيفصل بينكم بحكمه العادل، ويجازى كلا ما عمله * (أحصاه الله ونسوه) * (فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جآءه أليس في جهنم مثوى للكافرين * والذي جاء بالصدق وصدق به أول ئك هم المتقون * لهم ما يشآءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين * ليك فر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي ك انوا يعملون) * يقول تعالى، محذرا، ومخبرا: أنه لا أظلم وأشد ظلما * (ممن كذب على الله) * إما بنسبته إلى ما لا يليق بجلاله، أو بادعاء النبوة، أو الإخبار بأن الله تعالى قال كذا، أخبر بكذا، وهو كاذب. فهذا داخل في قوله تعالى: * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * إن كان جاهلا، وإلا هو أشنع وأشنع. * (وكذب بالصدق إذ جاءه) * أي: ما أظلم ممن جاءه الحق المؤيد بالبينات، فكذبه. فتكذيبه، ظلم عظيم منه؛ لأنه رد الحق بعدم تبين له. فإن كان جامعا بين الكذب على الله، والتكذيب بالصدق، كان ظلما على ظلم. * (أليس في جهنم مثوى للكافرين) * يحصل بها الاشتفاء منهم، وأخذ حق الله من كل ظالم وكافر: * (إن الشرك لظلم عظيم) *. ولما ذكر الكاذب المكذب، وجنايته وعقوبته، ذكر الصادق المصدق، وثوابه. فقال: * (والذي جاء بالصدق) * في قوله وعمله، فدخل في ذلك، الأنبياء ومن قام مقامهم، ممن صدق فيما قاله عن خبر الله وأحكامه، وفيما فعله من خصال الصدق. * (وصدق به) * أي: بالصدق لأنه قد يجيء الإنسان بالصدق، ولكن لا يصدق به، بسبب استكباره، أو احتقاره لمن قاله وأتى به، فلا بد في المدح من الصدق والتصديق. فصدقه يدل على علمه وعدله، وتصديقه يدل على تواضعه، وعدم استكباره. * (أولئك) * أي: الذين وفقوا للجمع بين الأمرين * (هم المتقون) *، فإن جميع خصال التقوى، ترجع إلى الصدق بالحق، والتصديق به. * (لهم ما يشاؤون عند ربهم) * من الثواب، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فكل ما تعلقت به إرادتهم ومشيئتهم، من أصناف اللذات والمشتهيات، فإنه حاصل لهم، معد مهيأ. * (ذلك جزاء المحسنين) * الذين يعبدون الله، كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه، فإنه يراهم * ( المحسنين) * (إلي عباد الله) * (ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون) *. وعمل الإنسان، له ثلاث حالات: إما أسوأ، أو أحسن، أو لا أسوأ ولا أحسن. والقسم الأخير، قسم المباحات، وما لا يتعلق به ثواب ولا عقاب. والأسوأ، المعاصي كلها، والأحسن، الطاعات كلها. فبهذا التفصيل، يتبين معنى الآية، وأن قوله: * (ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا) * أي: ذنوبهم الصغار، بسبب إحسانهم وتقواهم. * (ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون) * أي: بحسناتهم كلها. * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تلك حسنة يضاعفها، ويؤت من لدنه أجرا عظيما) *.
(٧٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 719 720 721 722 723 724 725 726 727 728 729 ... » »»