مما ينبغي اجتنابه، فلهذا كان من حزمهم وعقلهم، أنهم يتبعون أحسنه. وأحسنه على الإطلاق، كلام الله، وكلام رسوله كما قال في هذه السورة: * (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) * الآية. في هذه الآية نكتة، وهي: أنه لما أخبر عن هؤلاء الممدوحين، أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كأنه قيل: هل من طريق إلى معرفة أحسنه، حتى نتصف بصفات أولي الألباب، وحتى نعرف أن من آثره فهو من أولي الألباب؟ قيل: نعم، أحسنه ما نص الله عليه بقوله: * (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) * الآية. * (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله) * لأحسن الأخلاق والأعمال * (وأولئك هم أولو الألباب) * أي: العقول الزاكية. ومن لبهم وحزمهم، أنهم عرفوا الحسن وغيره، وآثروا ما ينبغي إيثاره، على ما سواه. وهذا علامة العقل، بل لا علامة للعقل سوى ذلك، فإن الذي لا يميز بين الأقوال، حسنها، وقبيحها، ليس من أهل العقول الصحيحة، أو الذي يميز، لكن لما غلبت شهوته على عقله، فبقي عقله تابعا لشهوته، فلم يؤثر الأحسن، كان ناقص العقل. * (أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار * ل كن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد) * أي: أفمن وجبت عليه كلمة العذاب باستمراره على غيه، وعناده، وكفره، فإنه لا حيلة لك في هدايته، ولا تقدر أن تنقذ من في النار لا محالة. لكن الغنى، والفوز كل الفوز، للمتقين الذين أعد لهم من الكرامة وأنواع النعيم، ما لا يقادر قدره. * (لهم عرف) * أي: منازل عالية مزخرفة، من حسنها، وبهائها، وصفائها، أنه يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها. ومن علوها وارتفاعها، أنها ترى كما يرى الكوكب الغابر، في الأفق الشرقي أو الغربي. ولهذا قال: * (من فوقها غرف) * أي: بعضها فوق بعض * (مبنية) * بذهب وفضة، وملاطها المسك الأذفر. * (تجري من تحتها الأنهار) * المتدفقة، التي تسقي البساتين الزاهرة، والأشجار الطاهرة. فتغل أنواع الثمار اللذيذة، والفاكهة النضيجة. * (وعد الله لا يخلف الله الميعاد) * وقد وعد المتقين هذا الثواب، فلا بد من الوفاء به، فليوفوا بخصال التقوى، ليوفيهم أجورهم. * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يه يج ف تراه مصف را ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب) * يذكر تعالى أولي الألباب، ما أنزله من السماء من الماء، وأنه سلكه ينابيع في الأرض، أي: أودعه فيها ينبوعا، يستخرج بسهولة ويسر. * (ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه) * من بر وذرة، وشعير، وأرز، وغير ذلك. * (ثم يهيج) * عند استكماله، أو عند حدوث آفة فيه * (فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما) * متكسرا. * (إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب) * يذكرون بها عناية ربهم، ورحمته بعباده، وحيث يسر لهم هذا الماء، وخزنه بخزائن الأرض، تبعا لمصالحهم. ويذكرون به كمال قدرته، وأنه يحيي الموتى، كما أحيا الأرض بعد موتها. ويذكرون به أن الفاعل لذلك هو المستحق للعبادة. اللهم اجعلنا من أولي الألباب، الذين نوهت بذكرهم، وهديتهم بما أعطيتهم من العقول، وأريتهم من أسرار كتابك، وبديع آياتك، ما لم يصل إليه غيرهم، إنك أنت الوهاب. * (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أول ئك في ضلال مبين) * أي: أفيستوي من شرح الله صدره للإسلام، فاتسع لتلقي أحكام الله، والعمل بها، منشرحا، قرير العين، على بصير من أمره، ومن المراد بقوله: * (فهو على نور من ربه) *. كمن ليس كذلك، بدليل قوله: * (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) * أي: لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشر الكبير. * (أولئك في ضلال مبين) * وأي ضلال أعظم من ضلال من أعرض عن وليه؟ ومن كل السعادة في الإقبال عليه، وقسا قلبه عن ذكره، وأقبل على كل ما يضره؟ * (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد) * يخبر تعالى عن كتابه الذي نزله أنه * (أحسن الحديث) * على الإطلاق. فأحسن الحديث كلام الله، وأحسن الكتب المنزلة من كلام الله هذا القرآن. وإذا كان هو الأحسن، علم أن ألفاظه
(٧٢٢)