تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧١٩
يشرك بالله، فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار. * (إن الله لا يهدي) * أي: لا يوفق للهداية إلى الصراط المستقيم. * (من هو كاذب كفار) *. أي: وصفه الكذب أو الكفر، بحيث تأتيه المواعظ والآيات، ولا يزول عنه ما اتصف به، ويريه الله الآيات، فيجحدها، ويكفر بها، ويكذب. فهذا أنى له الهدى، وقد سد على نفسه الباب، وعوقب بأن طبع الله على قلبه، فهو لا يؤمن؟ * (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار) * أي: * (لو أراد الله أن يتخذ ولدا) * كما زعم ذلك من زعمه، من سفهاء الخلق. * (لاصطفى مما يخلق ما يشاء) * أي: لاصطفى من مخلوقاته، الذي يشاء اصطفاءه، واختصه لنفسه، وجعله بمنزلة الولد، ولم يكن له حاجة إلى اتخاذ الصاحبة. * (سبحانه) * أي: تنزه عما ظن به الكافرون، أو نسبه إليه الملحدون. * (هو الله الواحد القهار) * أي: الواحد في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، وفي أفعاله فلا شبيه له في شيء من ذلك، ولا مماثل. فلو كان له ولد، لاقتضى أن يكون شبيها له في وحدته؛ لأنه بعضه، وجزء منه. القهار لجميع العالم، العلوي والسفلي. فلو كان له ولد، لم يكن مقهورا، ولكان له إدلال على أبيه، ومناسبة منه. ووحدته تعالى، وقهره متلازمان. فالواحد لا يكون إلا قهارا، والقهار لا يكون إلا واحدا، وذلك ينفي الشركة له من كل وجه. * (خلق السماوات والأرض بالحق يكور اللي ل على النه ار ويكور الن هار على الليل وسخ ر الشمس والقمر ك ل يجري لأج ل مس مى ألا هو العزيز الغفار * خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتك م خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إل ه إلا هو فأنى تصرفون * إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعك م فينبئك م بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور) * يخبر تعالى أنه * (خلق السماوات والأرض بالحق) * أي: بالحكمة والمصلحة. وليأمر العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم. * (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) * أي: يدخل كلا منها على الآخر، ويحل محله فلا يجتمع هذا وهذا، بل إذا أتى أحدهما، انعزل الآخر عن سلطانه. * (وسخر الشمس والقمر) * بتسخير منظم، وسير مقنن. * (كل) * من الشمس والقمر * (يجري) * متأثرا عن تسخيره تعالى * (لأجل مسمى) * وهو انقضاء هذه الدار وخرابها، فيخرب الله آلاتها، وشمسها، وقمرها، وينشىء الخلق نشأة جديدة، ليستقروا في دار القرار، الجنة، أو النار. * (إلا هو العزيز) * الذي لا يغالب، القاهر لكل شيء، الذي لا يستعصي عليه شيء. الذي من عزته، أوجد هذه المخلوقات العظيمة، وسخرها تجري بأمره. * (الغفار) * لذنوب عباده التوابين المؤمنين، كما قال تعالى: * (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) *. الغفار لمن أشرك به، بعدما رأى من آياته العظيمة، ثم تاب وأناب. ومن عزته أن * (خلقكم من نفس واحدة) * على كثرتكم وانتشاركم، في أنحاء الأرض. * (ثم جعل منها زوجها) * وذلك ليسكن إليها وتسكن إليه، وتتم بذلك النعمة. * (وأنزل لكم من الأنعام) * أي: خلقها بقدر نازل منه، رحمة بكم. * (ثمانية أزواج) * وهي التي ذكرها في سورة الأنعام * (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) * * (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) *. وخصها بالذكر، مع أنه أنزل لمصالح عباده من البهائم غيرها، لكثرة نفها، وعموم مصالحها، ولشرفها، ولاختصاصها بأشياء لا يصلح لها غيرها، كالأضحية والهدي والعقيقة، ووجوب الزكاة فيها، واختصاصها بالدية. ولما ذكر خلق أبينا وأمنا، ذكر ابتداء خلقنا فقال: * (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق) * أي: طورا بعد طور، وأنتم في حال لا يد مخلوق تمسكم، ولا عين تنظر إليكم. وهو قد رباكم في ذلك المكان الضيق * (في ظلمات ثلاث) * ظلمة البطن، ثم ظلمة الرحم، ثم ظلمة المشيمة. * (ذلكم) * الذي خلق السماوات والأرض، وسخر الشمس والقمر، وخلقكم، وخلق لكم الأنعام والنعم * (الله ربكم) * أي: المألوه المعبود، الذي رباكم، دبركم. فكما أنه الواحد في خلقه وتربيته لا شريك له في ذلك، فهو الواحد في ألوهيته، لا شريك له. ولهذا قال: * (له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون) *. بعد هذا البيان أتبعه ببيان استحقاقه تعالى لإخلاص العبادة له دون عبادة الأوثان، التي لا تدبر شيئا، وليس لها من الأمر شيء فقال: * (إن تكفروا فإن الله غني عنكم) * لا يضره كفركم، كما لا ينتفع بطاعتكم. ولكن أمره ونهيه لكم محض فضله وإحسانه عليكم. * (ولا يرضى لعباده الكفر) * لكمال إحسانه بهم،
(٧١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 714 715 716 717 718 719 720 721 722 723 724 ... » »»