الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك). تشير إليه هذه الآية، وترمي إليه من قريب، وهو أنه تعالى، أخبر أن أرضه واسعة. فمهما منعتم من عبادته في موضع، فهاجروا إلى غيرها. وهذا عام في كل زمان ومكان، فلا بد أن يكون لكل مهاجر، ملجأ من المسلمين يلجأ إليه، وموضع يتمكن من إقامة دينه فيه. * (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) * وهذا عام في جميع أنواع الصبر: الصبر على أقدار الله المؤلمة، فلا يتسخطها. والصبر عن معاصيه، فلا يرتكبها، والصبر على طاعته، حتى يؤديها. فوعد الله الصابرين أجرهم بغير حساب، أي: بغير حد، ولا عد، ولا مقدار. وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند الله، وأنه معين على كل الأمور. * (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون) * أي: * (قل) * يا أيها الرسول للناس: * (إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين) * في قوله في أول السورة: * (فاعبد الله مخلصا له الدين) *. * (وأمرت لأن أكون أول المسلمين) * لأني الداعي الهادي للخلق، إلى ربهم، فيقتضي أني أول من ائتمر بما أمر به، وأول من أسلم، وهذا الأمر لا بد من إيقاعه من محمد صلى الله عليه وسلم، وممن زعم أنه من أتباعه. فلا بد من الإسلام في الأعمال الظاهرة، والإخلاص لله في الأعمال الظاهرة والباطنة. * (قل إني أخاف إن عصيت ربي) * في ما أمرني به من الإخلاص والإسلام. * (عذاب يوم عظيم) * يخلد فيه من أشرك، ويعاقب فيه من عصى. * (قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه) * كما قال تعالى: * (قال يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتهم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين) *. * (قل إن الخاسرين) * حقيقة هم * (الذين خسروا أنفسهم) * حيث حرموها الثواب، واستحقت بسببهم وخيم العقاب * (وأهليهم يوم القيامة) * أي: فرق بينهم وبينهم، واشتد عليهم الحزن، وعظم الخسران. * (ألا ذلك هو الخسران المبين) * الذي ليس مثله خسران، وهو خسران مستمر، لا ربح بعده، بل ولا سلامة. ثم ذكر شدة ما يحصل لهم من الشقاء فقال: * (لهم من فوقهم ظلل من النار) * أي: قطع عذاب كالسحاب العظيم * (ومن تحتهم ظلل) *. * (ذلك) * الوصف الذي وصفنا به عذاب أهل النار، سوط يسوق الله به عباده إلى رحمته. * (يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون) * أي: جعل ما أعده لأهل الشقاء من العذاب، داعيا يدعو عباده إلى التقوى، وزجرا عما يوجب العذاب. فسبحان من رحم عباده في كل شيء، وسهل لهم الطرق الموصلة لله، وحثهم على سلوكها، ورغبهم بكل مرغب تشتاق له النفوس، وتطمئن له القلوب. وحذرهم من العمل لغير ذلك غاية التحذير، وذكر لهم الأسباب الزاجرة عن تركه. * (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد * الذين يستمعون القول في تبعون أحسنه أول ئك الذين هداهم الله وأول ئك هم أولو الألباب) * ذكر تعالى هنا حال المنيبين وثوابهم فقال: * (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها) * والمراد بالطاغوت في هذا الموضع، عبادة غير الله، فاجتنبوها في عبادتها. وهذا من أحسن الاحتراز من الحكيم العليم؛ لأن المدح إنما يتناول المجتنب لها في عبادتها. * (وأنابوا إلى الله) * بعبادته وإخلاص الدين له، فانصرفت دواعيهم عن عبادة الأصنام إلى عبادة الملك العلام، ومن الشرك والمعاصي، إلى التوحيد والطاعات. * (لهم البشرى) * التي لا يقادر قدرها، ولا يعلم وصفها، إلا من أكرمهم بها. وهذا شامل للبشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن، والرؤيا الصالحة، والعناية الربانية من الله، التي يرون في خلالها، أنه مريد الإكرامهم في الدنيا والآخرة. ولهم البشرى في الآخرة عند الموت، وفي القبر، وفي القيامة. وخاتمة البشرى ما يبشرهم به الرب الكريم، من دوام رضوانه، وبره، وإحسانه، وحلول أمانة في الجنة. ولما أخبر أن لهم البشرى، أمره الله ببشارتهم، وذكر الوصف الذي استحقوا به البشارة فقال: * (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) *. وهذا جنس يشمل كل قول، فهم يستمعون جنس القول، ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره،
(٧٢١)