تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٢٨
والزكاة، والحج، والصدقة، وأنواع الإحسان، ونحو ذلك، مما أمر الله به، وهو: أحسن ما أنزل إلينا من ربنا. فالمتبع لأوامر ربه في هذه الأمور ونحوها، هو المنيب المسلم. * (من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) *، وكل هذا حث على المبادرة، وانتهاز الفرصة. ثم حذرهم (ونصحهم) * (أن) * لا يستمروا على غفلتهم، حتى يأتيهم يوم يندمون فيه، ولا تنفع الندامة. (ولئلا) * (تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) * أي: في جانب حقه. * (وإن كنت) * في الدنيا * (لمن الساخرين) * في إتيان الجزاء، حتى رأيته عيانا. * (أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين) * و (لو) في هذا الموضع للتمني. أي: ليت أن الله هداني، فأكون متقيا له، فأسلم من العقاب، وأستحق الثواب. وليست (لو) هنا شرطية، لأنها لو كانت شرطية، لكانوا محتجين بالقضاء والقدر على ضلالهم، وهي حجة باطلة، ويوم القيامة تضمحل كل حجة باطلة. * (أو تقول حين ترى العذاب) * وتجزم بوروده * (لو أن لي كرة) * أي: رجعة إلى الدنيا * (فأكون من المحسنين) *. قال تعالى: إن ذلك غير ممكن ولا مفيد، وإن هذه أماني باطلة، لا حقيقة لها، إذ لا يتجدد للعبد لو رد، بيان بعد البيان الأول. * (بلى قد جاءتك آياتي) * الدالة على الحق، دلالة لا يمترى فيها. * (فكذبت بها واستكبرت) * عن اتباعها * (وكنت من الكافرين) *. فسؤال الرد إلى الدنيا، نوع عبث، * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) *. * (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون) * يخبر تعالى، عن خزي الذين كذبوا عليه، وأن وجوههم تكون يوم القيامة مسودة كأنها الليل البهيم، يعرفهم بذلك أهل الموقف، فالحق أبلج واضح، كأنه الصبح. فكما سودوا وجه الحق بالكذب، سود الله وجوههم، جزاء من جنس عملهم. فلهم سواد الوجوه، ولهم العذاب الشديد في جهنم، ولهذا قال: * (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) * عن الحق، عن عبادة ربهم، المفترين عليه؟ بلى، والله، إن فيها لعقوبة وخزيا وسخطا، يبلغ من المتكبرين كل مبلغ، ويؤخذ الحق منهم بها. والكذب على الله يشمل الكذب عليه، باتخاذ الشريك والولد والصاحبة، والإخبار عنه بما لا يليق بجلاله، أو ادعاء النبوة، أو القول في شرعه بما لم يقله، والإخبار بأنه قاله وشرعه. ولما ذكر حالة المتكبرين، ذكر حالة المتقين فقال: * (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم) * أي: بنجاتهم، وذلك لأن معهم آلة النجاة، وهي تقوى الله تعالى، التي هي العدة، عند كل هول وشدة. * (ولا يمسهم السوء) * أي: العذاب الذي يسوؤهم * (ولا هم يحزنون) * فنفى عنهم مباشرة العذاب وخوفه، وهذا غاية الأمان. فلهم الأمن التام، يصحبهم حتى يوصلهم إلى دار السلام. فحينئذ، يأمنون من كل سوء ومكروه، وتجرى عليهم نضرة النعيم. ويقولون: * (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور) *. * (الله خالق ك ل شيء وهو على كل شيء وكيل * له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا ب آيات الله أول ئك هم الخاسرون) * يخبر تعالى عن عظمته وكماله، الموجب لخسران من كفر به فقال: * (الله خالق كل شيء) * هذه العبارة وما أشبهها، مما هو كثير في القرآن، تدل على أن جميع الأشياء غير الله وأسمائه وصفاته مخلوقة. ففيها رد على كل من قال، بقدم بعض المخلوقات، كالفلاسفة القائلين بقدم الأرض والسماوات، وكالقائلين بقدم الأرواح، ونحو ذلك من أقوال أهل الباطل، المتضمنة تعطيل الخالق عن خلقه. وليس كلام الله من الأشياء المخلوقة، لأن الكلام صفة المتكلم. والله، تعالى بأسمائه وصفاته، أول ليس قبله شيء. فأخذ أهل الاعتزال من هذه الآية ونحوها، أن كلام الله مخلوق، من أعظم الجهل. فإنه تعالى، لم يزل بأسمائه وصفاته، ولم يحدث صفة من صفاته، ولم يكن معطلا عنها، بوقت من الأوقات. والشاهد من هذا، أن الله تعالى، أخبر عن نفسه الكريمة، أنه خالق لجميع العالم العلوي والسفلي، وأنه على كل شيء وكيل. والوكالة التامة، لا بد فيها من علم الوكيل، بما كان وكيلا عليه، وإحاطته بتفاصيله. ومن قدرة تامة على ما هو وكيل عليه، ليتمكن من التصرف فيه، ومن حفظ لما هو وكيل عليه، ومن حكمة، ومعرفة، وبوجوه التصرفات، ليصرفها ويدبرها، على ما هو الأليق، فلا تتم الوكالة إلا بذلك كله، فما نقص من ذلك، فهو نقص فيها. ومن المعلوم المتقرر، أن الله تعالى منزه عن كل نقص، في أي صفة من صفاته. فإخباره بأنه على كل شيء وكيل، يدل على إحاطة علمه بجميع الأشياء، وكمال قدرته على تدبيرها، وكمال تدبيره، وكمال حكمته، التي يضع بها الأشياء مواضعها. * (له مقاليد السماوات والأرض) * أي: مفاتيحها، علما
(٧٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 723 724 725 726 727 728 729 730 731 732 733 ... » »»