تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٢٠
وعلمه أن الكفر يشقيهم شقاوة لا يسعدون بعدها. ولأنه خلقهم لعبادته، فهي الغاية التي خلق لها الخلق، فلا يرضى أن يدعوا ما خلقهم لأجله. * (وإن تشكروا) * الله تعالى بتوحيده، وإخلاص الدين له * (يرضه لكم) * لرحمته بكم، ومحبته للإحسان عليكم، ولفعلكم ما خلقكم لأجله. وكما أنه لا يتضرر بشرككم ولا ينتفع بأعمالكم وتوحيدكم، كذلك كل أحد منكم له عمله، من خير وشر * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * * (ثم إلى ربكم مرجعكم) * في يوم القيامة * (فينبئكم بما كنتم تعملون) *. إخبارا أحاط به علمه، وجرى عليه قلمه، وكتبته عليكم الحفظة الكرام، وشهدت به عليكم الجوارح، فيجازي كلا منكم بما يستحقه. * (إنه عليم بذات الصدور) * أي: بنفس الصدور، وما فيها من وصف بر أو فجور. والمقصود من هذا، الإخبار بالجزاء، بالعدل التام. * (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار) * يخبر تعالى عن كرمه بعبده وإحسانه وبره ، وقلة شكر عبده، وأنه حين يمسه الضر، من مرض، أو فقر، أو وقوع في كربة بحر أو غيره، أنه يعلم أنه لا ينجيه في هذا الحال، إلا الله. فيدعوه متضرعا منيبا، ويستغيث به في كشف ما نزل به ويلح في ذلك. * (ثم إذا خوله) * الله * (نعمة منه) * بأن كشف ما به من الضر والكربة. * (نسي ما كان يدعو إليه من قبل) * أي: نسي ذلك الضر، الذي دعا الله لأجله، ومر كأنه ما أصابه ضر، واستمر على شركه. * (وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله) * أي: ليضل بنفسه، ويضل غيره؛ لأن الإضلال، فرع عن الضلال، فأتى بالملزوم، ليدل على اللازم. * (قل) * لهذا العاتي، الذي بدل نعمة الله كفرا: * (تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار) * فلا يغنيك ما تتمتع به إذا كان المآل النار. * (أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) *. * (أمن هو قانت آنآء الليل ساجدا وقآئما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب) * هذه مقابلة بين العامل بطاعة الله وغيره، وبين العالم والجاهل، وأن هذا من الأمور التي تقرر في العقول تبيانها، وعلم علما يقينا تفاوتها. فليس المعرض عن طاعة ربه، المتبع لهواه، كمن هو قانت أي: مطيع لله، بأفضل العبادات، وهو الصلاة، وأفضل الأوقات، وهي أوقات الليل. فوضعه بكثرة العمل وأفضله، ثم وصفه بالخوف والرجاء. وذكر أن متعلق الخوف، عذاب الآخرة، على ما سلف من الذنوب وأن متعلق الرجاء، رحمة الله، فوصفه بالعمل الظاهر والباطن. * (قل هل يستوي الذين يعلمون) * ربهم ويعلمون دينه الشرعي، ودينه الجزائي، وما له في ذلك من الأسرار، والحكم * (والذين لا يعلمون) * شيئا من ذلك؟ لا يستوي هؤلاء ولا هؤلاء، كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلام، والماء والنار. * (إنما يتذكر) * إذا ذكروا * (أولوا الألباب) * أي: أهل العقول الزكية الذكية. فهم الذين يؤثرون الأعلى على الأدنى، فيؤثرون العلم على الجهل، وطاعة الله على مخالفته؛ لأن لهم عقولا، ترشدهم للنظر في العواقب. بخلاف من لا لب له ولا عقل، فإنه يتخذ إلهه هواه. * (قل يعباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في ه ذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) * أي: قل منديا لأشرف الخلق، وهم المؤمنون، آمرا لهم بأفضل الأوامر، وهي: التقوى، ذاكرا لهم السبب الموجب للتقوى، وهو ربوبية الله لهم وإنعامه عليهم المقتضي ذلك منهم أن يتقوه، ومن ذلك ما من الله عليهم به من الإيمان فإنه موجب للتقوى. كما يقول: أيها الكريم تصدق، وأيها الشجاع، قاتل. وذكر لهم الثواب المنشط في الدنيا فقال: * (للذين أحسنوا في هذه الدنيا) * بعبادة ربهم * (حسنة) * ولهم رزق واسع، ونفس مطمئنة، وقلب منشرح. كما قال تعالى: * (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) *. * (وأرض الله واسعة) * إذا منعتم من عبادته في أرض، فهاجروا إلى غيرها، تعبدون فيها ربكم، وتتمكنون من إقامة دينكم. ولما قال: * (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) * كان لبعض النفوس مجال في هذا الموضع، وهو أن النص عام، أنه كل من أحسن، فله في الدنيا حسنة، فما بال من آمن في أرض يضطهد فيها ويمتهن، لا يحصل له ذلك؛ فدفع هذا الظن بقوله: * (وأرض الله واسعة) * وهنا بشارة، نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تزال طائفة من أمتي على
(٧٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 715 716 717 718 719 720 721 722 723 724 725 ... » »»