تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧١٦
أصناف العذاب، يعذبون بها، ويخزون بها. عند تواردهم على النار، يشتم بعضهم بعضا، ويقول بعضهم لبعض: * (هذا فوج مقتحم معكم) * النار * (لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار) *. * (قالوا) * أي: الفوج المقبل المقتحم: * (بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه) * أي: العذاب * (لنا) * بدعوتكم لنا، وفتنتكم، وإضلالكم، وتسببكم. * (فبئس القرار) * قرار الجميع، قرار السوء والشر. ثم دعوا على المغوين لهم، و * (قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار) *. وقال في الآية الأخرى: * (قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون) *. * (وقالوا) * وهم في النار * (ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار) * أي: كنا نزعم أنهم من الأشرار، المستحقين لعذاب النار، وهم المؤمنون تفقدهم أهل النار، قبحهم الله، هل يرونهم في النار؟ * (اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار) * أي: عدم رؤيتنا لهم، دائر بين أمرين: إما أننا غالطون في عدنا إياهم من الأشرار، بل هم من الأخيار، وإنما كلامنا لهم، من باب السخرية والاستهزاء بهم. وهذا هو الواقع، كما قال تعالى لأهل النار: * (إنه كان فريق من عبادي يقولون * ربنا آمنا فاغفر لنا واحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون) *. والأمر الثاني: أنهم لعلهم زاغت أبصارنا عن رؤيتهم معنا في العذاب، وإلا فهم معنا معذبون ولكن تجاوزتهم أبصارنا. فيحتمل أن هذا الذي في قلوبهم، فتكون العقائد التي اعتقدوها في الدنيا، وكثرة ما حكموا لأهل الإيمان بالنار، تمكنت من قلوبهم، وصارت صبغة لها، فدخلوا النار وهم بهذه الحالة، فقالوا ما قالوا. ويحتمل أن كلامهم هذا، كلام تمويه، كما موهوا في الدنيا، موهوا حتى في النار. ولهذا يقول أهل الأعراف لأهل النار * (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) *. قال تعالى مؤكدا ما أخبر به، وهو أصدق القائلين: * (ان ذلك) * الذي ذكرت لكم * (لحق) * ما فيه شك ولا مرية * (تخاصم أهل النار) * أي: (هو تخاصم ونزاع أهل النار بعضهم مع بعض). * (قل إنما أنا منذر وما من إل ه إلا الله الواحد القهار * رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار * قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون * ما كان لي من علم بالم لإ الأعلى إذ يختصمون * إن يوحى إلي إلا أنمآ أنا نذير مبين * إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة ك لهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فأخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين * قل ما أسألكم عليه من أجر ومآ أنآ من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين) * * (قل) * يا أيها الرسول لهؤلاء المكذبين، إن طلبوا منك ما ليس لك ولا بيدك: * (إنما أنا منذر) * هذا نهاية ما عندي، وأما الأمر فلله تعالى، ولكني آمركم، وأنهاكم، وأحثكم على الخير، وأزجركم عن الشر * (فمن اهتدى، فلنفسه ومن ضل فعليها) *. * (وما من إله إلا الله) * أي: ما أحد يؤله ويعبد بحق، إلا الله * (الواحد القهار) *. هذا تقرير لألوهيته، بهذا البرهان القاطع، وهو وحدته تعالى، وقهره لكل شيء. فإن القهر ملازم للوحدة، فلا يكون اثنان قهاران، متساويين في قهرهما أبدا. فالذي يقهر جميع الأشياء هو الواحد، الذي لا نظير له، وهو الذي يستحق أن يعبد وحده، كما كان قاهرا وحده. وقرر ذلك بتوحيد الربوبية فقال: * (رب السماوات والأرض وما بينهما) * أي: خالقهما، ومربيهما، ومدبرهما بجميع أنواع التدبير. * (العزيز) * الذي له القوة، التي بها خلق المخلوقات العظيمة. * (الغفار) * لجميع الذنوب، صغيرها، وكبيرها، لمن تاب إليه، وأقلع منها. فهذا الذي يحب ويستحق أن يعبد، دون من لا يخلق، ولا يرزق، ولا يضر، ولا ينفع، ولا يملك من الأمر شيئا، وليس له قوة الاقتدار، ولا بيده مغفرة الذنوب والأوزار. * (قل) * لهم، محذرا، ومخوفا، ومنهضا لهم ومنذرا: * (هو نبأ عظيم) * أي: ما أنبأتكم به من البعث، والنشور، والجزاء على الأعمال، خبر عظيم ينبغي الاهتمام الشديد بشأنه، ولا ينبغي إغفاله. ولكن * (أنتم عنه معرضون) * كأنه ليس أمامكم حساب ولا عقاب ولا ثواب. فإن شككتم في قولي، وامتريتم في خبري، فإني أخبركم بأخبار لا علم لي بها، ولا درستها في كتاب. فإخباري بها على وجهها، من غير زيادة ولا نقص، أكبر شاهد لصدقي، وأدل على حقية ما جئتكم به، ولهذا قال: * (ما كان لي من علم بالملإ الأعلى) * أي: الملائكة * (إذ يختصمون) * لولا تعليم الله إياي، وإيحاؤه إلي، ولهذا قال: * (إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين) * أي: ظاهر النذارة، جليها، فلا نذير أبلغ من نذارته صلى الله عليه وسلم.
(٧١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 711 712 713 714 715 716 717 718 719 720 721 ... » »»