تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧١٠
* (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم) * أي: عجب هؤلاء المكذبون في أمر ليس محل عجب، أن جاءهم منذر منهم، ليتمكنوا من التلقي عنه، وليعرفوه حق المعرفة. ولأنه من قومهم، فلا تأخذهم النخوة القومية عن اتباعه. فهذا، مما يوجب الشكر عليهم، وتمام الانقياد له. ولكنهم عكسوا القضية، فتعجبوا تعجب إنكار * (وقال الكافرون) * من كفرهم وظلمهم: * (هذا ساحر كذاب) *. وذنبه عندهم أنه * (أجعل الآلهة إلها واحدا) * أي: كيف ينهى عن اتخاذ الشركاء والأنداد، ويأمر بإخلاص العبادة لله وحده. * (إن هذا) * الذي جاء به * (لشيء عجاب) * أي: يقضي منه العجب، لبطلانه وفساده عندهم. * (وانطلق الملأ منهم) * المقبول قولهم، محرضين قومهم على التمسك، بما هم عليه من الشرك. * (أن امشوا واصبروا على آلهتكم) * أي: استمروا عليها، وجاهدوا نفوسكم في الصبر عليها، وعلى عبادتها، ولا يردكم عنها راد، ولا يصدنكم عن عبادتها صاد. * (إن هذا) * الذي جاء به محمد، من النهي عن عبادتها * (لشيء يراد) * أي: يقصد، له قصد، ونية غير صالحة في ذلك، وهذه شبهة لا تروج إلا على السفهاء. فإن من دعا إلى قول حق أو غير حق، لا يرد قوله بالقدح في نيته، فنيته وعمله له؛ وإنما يرد بمقابلته بما يبطله ويفسده، من الحجج والبراهين. وهم قصدهم، أن محمدا، ما دعاكم إلى ما دعاكم، إلا ليرأس فيكم، ويكون معظما عندكم، ومتبوعا. * (ما سمعنا بهذا) * القول الذي قاله، والدين الذي دعا إليه * (في الملة الآخرة) * أي: في الوقت الأخير، فلا أدركنا عليه آباءنا، ولا آباؤنا أدركوا آباءهم عليه. فامضوا على الذي مضى عليه آباؤكم، فإنه الحق. وما هذا الذي دعا إليه محمد، إلا اختلاق اختلقه، وكذب افتراه. وهذه أيضا شبهة، من جنس شبهتهم الأولى، حيث ردوا الحق بما ليس بحجة لرد أنى قول، وهو أنه قول مخالف لما عليه آباؤهم الضالون. فأين في هذا، ما يدل على بطلانه؟ * (أأنزل عليه الذكر من بيننا) * أي: ما الذي فضله علينا، حتى ينزل الذكر عليه من دوننا، ويخصه الله به؟ وهذه أيضا شبهة، أين البرهان فيها على رد ما قاله؟ وهل جميع الرسل إلا بهذا الوصف يمن الله عليهم برسالته، ويأمرهم بدعوة الخلق إلى الله. ولهذا، لما كانت هذه الأقوال الصادرة منهم، لا يصلح شيء منها لرد ما جاء به الرسول، أخبر تعالى من أين صدرت، وأنهم * (في شك من ذكري) * ليس عندهم، علم ولا بينة. فلما وقعوا في الشك، وارتضوا به، وجاءهم الحق الواضح، وكانوا جازمين بإقامتهم على شكهم، قالوا ما قالوا، من تلك الأقوال، لدفع الحق لا عن بينة من أمرهم، وإنما ذلك، من باب الائتفاك منهم. ومن المعلوم، أن من هو بهذه الصفة، يتكلم عن شك وعناد؛ فإن قوله، غير مقبول، ولا قادح أدنى قدح في الحق، وأنه يتوجه عليه الذم واللوم، بمجرد كلامه، ولهذا توعدهم بالعذاب فقال: * (بل لما يذوقوا عذاب) * أي: قالوا هذه الأقوال، وتجرؤوا عليها، حيث كانوا ممتعين في الدنيا، لم يصبهم من عذاب الله شيء، فلو ذاقوا عذابه لم يتجرؤوا. * (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب) * فيعطون منها من شاؤوا، ويمنعون منها من شاؤوا حيث قالوا: * (أأنزل عليه الذكر من بيننا) * أي: هذا فضله تعالى ورحمته، وليس ذلك بأيديهم، حتى يتجرؤوا على الله. * (أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما) * بحيث يكونون قادرين على ما يريدون. * (فليرتقوا في الأسباب) * الموصلة لهم إلى السماء، فيقطعوا الرحمة عن رسول الله. فكيف يتكلمون، وهم أعجز خلق الله وأضعفهم، بما تكلموا به؟ أم قصدهم التحزب، والتجند، والتعاون على نصر الباطل، وخذلان الحق؟ وهو الواقع. فإن هذا المقصود، لا يتم لهم، بل سعيهم خائب، وجندهم مهزوم ولهذا قال: * (جند ما هنالك مهزوهم من الأحزاب) * أي: كالأجناد من جنس الأحزاب المتحزبين على الأنبياء قبلك، وأولئك قد قهروا، وأهلكوا، فكذلك نهلك هؤلاء. * (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد * وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أول ئك الأحزاب * إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب * وما ينظر ه ؤلآء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق) * يحذرهم تعالى أن يفعل بهم، ما فعل بالأمم من قبلهم، الذين كانوا أعظم قوة منهم، وتحزبا على الباطل * (قوم نوح وعاد) * قوم هود * (وفرعون ذو الأوتاد) * أي: الجنود العظيمة، والقوة الهائلة. * (وثمود) * قوم صالح. * (وقوم لوط وأصحاب الأحزاب) * الذين اجتمعوا بقوتهم، وعددهم وعددهم على رد الحق، فلم تغن عهم شيئا. * (إن كل) * من هؤلاء * (إلا كذب الرسل فحق عقاب) * الله. وهؤلاء ما الذي يطهرهم ويزكيهم، أن لا يصيبهم ما أصاب أولئك. فلينتظروا * (وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لهم من فواق) * أي: من رجوع ورد، تهلكهم
(٧١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 705 706 707 708 709 710 711 712 713 714 715 ... » »»