الأولين، لأخلصنا لله العبادة، بل لكنا المخلصين على الحقيقة. وهم كذبة في ذلك، فقد جاءهم أفضل الكتب، فكفروا به، فعلم أنهم متمردون على الحق * (فسوف يعلمون) * العذاب، حين يقع بهم. ولا يحسبوا أيضا أنهم في الدنيا غالبون، بل قد سبقت كلمة الله، التي لا مرد لها ولا مخالف لها، لعبادة المرسلين، وجنده المفلحين، أنهم الغالبون لغيرهم، المنصورون من ربهم، نصرا عزيزا، يتمكنون فيه من إقامة دينهم. وهذا بشارة عظيمة لمن اتصف بأنه من جند الله، بأن كانت أحواله مستقيمة، وقاتل من أمر بقتالهم، أنه غالب منصور. ثم أمر رسوله بالإعراض عمن عاندوا، ولم يقبلوا الحق، وأنه ما بقي إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، ولهذا قال: * (وأبصرهم فسوف يبصرون) * من يحل به النكال، فإنه سيحل بهم. * (فإذا نزل بساحتهم) * أي: نزل عليهم، وقريبا منهم * (فساء صباح المنذرين) *. لأنه صباح الشر، والعقوبة، والاستئصال. ثم كرر الأمر بالتولي عنهم، وتهديدهم بوقوع العذاب. ولما ذكر في هذه السورة، كثيرا من أقوالهم الشنيعة، التي وصفوه بها، نزه نفسه عنها فقال: * (سبحان ربك) * أي: تنزه وتعالى * (رب العزة) * أي: الذي عز، فقهر كل شيء، واعتز عن كل سوء يصفونه به. * (وسلام على المرسلين) * لسلامتهم من الذنوب والآفات، وسلامة ما وصفوا به فاطر الأرض والسماوات. * (والحمد لله رب العالمين) * الألف واللام للاستغراق، فجميع أنواع الحمد، من الصفات الكاملة العظيمة، والأفعال التي ربى بها العالمين، وأدر عليهم فيها النعم، وصرف عنهم بها النقم، ودبرهم تعالى في حركاتهم وسكونهم، وفي جميع أحوالهم، كلها لله تعالى. فهو المقدس عن النقص، المحمود بكل كمال، المحبوب المعظم. ورسله سالمون مسلم عليهم، ومن اتبعهم في ذلك، له السلامة في الدنيا والآخرة. وأعداؤه لهم الهلاك والعطب، في الدنيا والآخرة. تم تفسير سورة الصافات. سورة ص * (ص والقرآن ذي الذكر * بل الذين كفروا في عزة وشقاق * كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص * وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون ه ذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة إل ها واحدا إن ه ذا لشيء عجاب * وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن ه ذا لشيء يراد * ما سمعنا به ذا في الملة الآخرة إن ه ذا إلا اختلاق * أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب * أم عندهم خزآئن رحمة ربك العزيز الوهاب * أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب * جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب) * هذا بيان من الله تعالى لحال القرآن، وحال المكذبين به معه، ومع من جاء به فقال: * (ص والقرآن ذي الذكر) * أي: ذي القدر العظيم، والشرف، المذكر للعباد، كل ما يحتاجون إليه من العلم، بأسماء الله وأفعاله، ومن العلم، بأحكام الله الشرعية، ومن العلم بأحكام المعاد والجزاء. فهو مذكر لهم، في أصول دينهم وفروعه. وهنا لا يحتاج إلى ذكر المقسم عليه، فإن حقيقة الأمر، أن المقسم به وعليه شيء واحد، وهو: هذا القرآن، الموصوف بهذا الموصف الجليل. فإذا كان القرآن بهذا الوصف، علم أن ضرورة العباد إليه، فوق كل ضرورة. وكان الواجب عليهم، تلقيه بالإيمان، والتصديق، والإقبال على استخراج ما يتذكر به منه. فهدى الله من هدى لهذا، وأبى الكافرون التصديق به، وبمن أنزله، وصار معهم * (في عزة وشقاق) * عزة وامتناع عن الإيمان به، واستكبار وشقاق له، أي: مشاقة ومخاصمة في رده وإبطاله، وفي القدح بمن جاء به. فتوعدهم بإهلاك القرون الماضية، المكذبة بالرسل، وأنهم حين جاءهم الهلاك، نادوا، واستغاثوا في صرف العذاب عنهم. ولكن * (لات حين مناص) * أي: وليس الوقت، وقت خلاص، مما وقعوا فيه، ولا فرج لما أصابهم. فليحذر هؤلاء أن يدوموا على عزتهم وشقاقهم، فيصيبهم ما أصابهم.
(٧٠٩)