البصيرة في دين الله. فوصفهم بالعلم النافع، والعمل الصالح الكثير. * (إنا أخلصناهم بخالصة) * عظيمة، وخصيصة جسيمة وهي: * (ذكرى الدار) * جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم، والعمل لها صفوة وقتهم، والإخلاص والمراقبة لله، وصفهم الدائم، وجعلناهم ذكرى الدار، يتذكر بأحوالهم المتذكر، ويعتبر بهم المعتبر، ويذكرون بأحسن الذكر. * (وإنهم عندنا لمن المصطفين) * الذين اصطفاهم الله من صفوة خلقه. * (الأخيار) * الذين لهم خلق كريم، وعمل مستقيم. * (واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار) * أي: واذكر هؤلاء الأنبياء بأحسن الذكر، وأثن عليهم أحسن الثناء. فإن كلا منهم، من الأخيار الذي اختارهم الله من الخلق، واختار لهم أكمل الأحوال، من الأعمال، والأخلاق والصفات الحميدة، والخصال السديدة. * (ه ذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب * جنات عدن مفتحة لهم الأبواب * متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب * وعندهم قاصرات الطرف أتراب * ه ذا ما توعدون ليوم الحساب * إن ه ذا لرزقنا ما له من نفاد) * * (هذا ذكر) * أي: ذكر هؤلاء الأنبياء الصفوة وذكر أوصافهم، ذكر في هذا القرآن ذي الذكر، يتذكر بأحوالهم المتذكرون، ويشتاق إلى الاقتداء بأوصافهم الحميدة، المقتدون، ويعرف ما من الله عليهم به من الأوصاف الزكية، وما نشر لهم من الثناء بين البرية. فهذا نوع من أنواع الذكر، وهو ذكر أهل الخير، ومن أنواع الذكر، ذكر جزاء أهل الخير، وأهل الشر، ولهذا قال: * (وإن للمتقين) * ربهم، بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، من كل مؤمن ومؤمنة. * (لحسن مآب) * أي: لمآبا حسنا، ومرجعا مستحسنا. ثم فسره وفصله فقال: * (جنات عدن) * أي: جنات إقامة، لا يبغي صاحبها بدلا منها، من كمالها، وتمام نعيمها، وليسوا بخارجين منها، ولا بمخرجين. * (مفتحة لهم الأبواب) * أي: مفتحة لأجلهم أبواب منازلها ومساكنها، لا يحتاجون أن يفتحوها، بل هم مخدومون. وهذا دليل أيضا، على الأمان التام، وأنه ليس في جنات عدن، ما يوجب أن يغلق لأجله أبوابها. * (متكئين فيها) * على الأرائك المزينات، والمجالس المزخرفات. * (يدعون فيها) * أي: يأمرون خدامهم، أن يأتوا * (بفاكهة كثيرة وشراب) * من كل ما تشتهيه نفوسهم، وتلذه أعينهم. وهذا يدل على كمال النعيم، وكمال الراحة والطمأنينة، وتمام اللذة. * (وعندهم) * من أزواجهم، الحور العين * (قاصرات الطرف) * على أزواجهن، وطرف أزواجهن عليهن، لجمالهم كلهم، ومحبة كل منهما للآخر، وعدم طموحه لغيره، وأنه لا يبغي بصاحبه بدلا، وعنه عوضا. * (أتراب) * أي: على سن واحد، أعدل سن الشباب وأحسنه وألذه. * (هذا ما توعدون) * أيها المتقون * (ليوم الحساب) * جزاء على أعمالكم الصالحة. * (إن هذا لرزقنا) * الذي أوردناه على أهل النعيم * (ما له من نفاد) * أي: انقطاع، بل هو دائم مستقر في جميع الأوقات، متزايد في جميع الآنات. وليس هذا بعظيم على الرب الكريم، الرؤوف الرحيم، البر الجواد، الواسع الغني، الحميد اللطيف الرحمن، الملك الديان، الجليل الجميل المنان، ذي الفضل الباهر، والكرم المتواتر، الذي لا تحصى نعمه، ولا يحاط ببعض بره. * (ه ذا وإن للطاغين لشر مآب * جهنم يصلونها فبئس المهاد * ه ذا فليذوقوه حميم وغساق * وآخر من شكله أزواج * ه ذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالو النار * قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار * قالوا ربنا من قدم لنا ه ذا فزده عذابا ضعفا في النار * وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبص ر * إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) * * (هذا) * الجزاء للمتقين ما وصفناه * (وإن للطاغين) * أي: للمتجاوزين للحد في الكفر والمعاصي * (لشر مآب) * أي: لشر مرجع ومنقلب. ثم فصله فقال: * (جهنم) * التي جمع فيها كل عذاب واشتد حرها، وانتهى قرها * (يصلونها) * أي: يعذبون فيها عذابا، يحيط بهم من كل وجه، لهم من فوقهم ظلل من النار، ومن تحتهم ظلل. * (فبئس المهاد) * المعد لهم مسكنا ومستقرا * (هذا) * المهاد، وهذا العذاب الشديد، والخزي، والفضيحة، والنكال. * (فليذوقوه حميم) * ماء حار، قد اشتد حره، يشربونه، فتقطع أمعاؤهم. * (وغساق) * وهو أكره ما يكون من الشراب، من قيح وصديد، مر المذاق، كريه الرائحة. * (وآخر من شكله) * أي: من نوعه * (أزواج) * أي: عدة أصناف، من
(٧١٥)