قلوب الخلق، فإنهم إذا علموا ببعض ذنوبهم، وقع في قلوبهم نزولهم عن درجتهم الأولى، فأزال الله تعالى هذه الآثار، وما ذاك بعزيز على الكريم الغفار. ومنها: أن الحكم بين الناس، مرتبة دينية، وتولاها رسل الله، وخواص خلقه. وأن وظيفة القائم بها الحكم بالحق، ومجانبة الهوى. فالحكم بالحق، يقتضي العلم بالأمور الشرعية، والعلم بصورة القضية المحكوم بها، وكيفية إدخالها في الحكم الشرعي. فالجاهل بأحد الأمرين لا يصلح للحكم، ولا يحل له الإقدام عليه. ومنها: أنه ينبغي للحاكم أن يحذر الهوى، ويجعله منه على بال، فإن النفوس لا تخلو منه. بل يجاهد نفسه، بأن يكون الحق مقصوده، وأن يلقى عنه وقت الحكم، كل محبة أو بغض لأحد الخصمين. ومنها: أن سليمان عليه السلام، من فضائل داود، ومن منن الله عليه. حيث وهبه له. وأن من أكبر نعم الله على عبده، أن يهب له ولدا صالحا، فإن كان عالما، كان نورا على نور. ومنها: ثناء الله تعالى على سليمان ومدحه في قوله: * (نعم العبد إنه أواب) *. ومنها: كثرة خير الله وبره بعبيده، أن يمن عليهم بصالح الأعمال، ومكارم الأخلاق، ثم يثني عليهم بها، وهو المتفضل الوهاب. ومنها: تقديم سليمان، محبة الله تعالى على محبة كل شيء. ومنها: أن كل ما شغل العبد عن الله، فإنه مشؤوم مذموم، فليفارق وليقبل على ما هو أنفع له. ومنها: القاعدة المشهورة (من ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه). فسليمان عليه السلام عقر الجياد الصافنات المحبوبة للنفوس، تقديما لمحبة الله، فعوضه الله خيرا من ذلك، بأن سخر له الريح الرخاء اللينة، التي تجري بأمره إلى حيث أراد وقصد، غدوها شهر، ورواحها شهر، وسخر له الشياطين، أهل الاقتدار على الأعمال التي لا يقدر عليها الآدميون. ومنها: أن سليمان عليه السلام، كان ملكا نبيا، يفعل ما أراد، ولكنه لا يريد إلا العدل. بخلاف النبي العبد، فإنه تكون إرادته تابعة لأمر الله، فلا يفعل ولا يترك، إلا بالأمر، كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الحال أكمل. * (واذكر عبدنآ أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب * اركض برجلك ه ذا مغتسل بارد وشراب * ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب * وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) * أي: * (واذكر) * في هذا الكتاب * (عبدنا أيوب) * بأحسن الذكر، وأثن عليه بأحسن الثناء، حين أصابه الضر، فصبر على ضره، فلم يشتك لغير ربه، ولا لجأ إلا إليه. * (إذ نادى ربه) * داعيا شاكيا إليه لا إلى غيره فقال: رب * (أني مسني الشيطان بنصب وعذاب) * أي: بأمر مشق متعب معذب، وكان سلط على جسده فنفخ فيه، حتى تقرح، ثم تقيح بعد ذلك، واشتد به الأمر وكذلك هلك أهله وماله. فقيل: * (اركض برجلك) * أي: اضرب الأرض بها، لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب، فيذهب عنك الضر والأذى. ففعل ذلك، فذهب عنه الضر، وشفاه الله تعالى. * (ووهبنا له أهله) * قيل: إن الله تعالى أحياهم له * (ومثلهم معهم) * في الدنيا، وأغناه الله، وأعطاه مالا عظيما. * (رحمة منا) * بعبدنا أيوب، حيث صبر فأثبناه من رحمتنا، ثوابا عاجلا وآجلا. * (وذكرى لأولي الألباب) * أي: وليتذكر أولو العقول بحالة أيوب، ويعتبروا، فيعلموا أن من صبر على الضر، فإن الله تعالى يثيبه ثوابا عاجلا وآجلا، ويستجيب دعاءه إذا دعاه. * (وخذ بيدك ضغثا) * أي: حزمة شماريخ * (فاضرب به ولا تحنث) *. قال المفسرون: وكان في مرضه وضره، قد غضب على زوجته في بعض الأمور. فحلف: لئن شفاه الله، ليضربنها مائة جلدة. فلما شفاه الله، وكانت امرأته صالحة محسنة إليه، رحمها الله ورحمه، فأفتاه أن يضربها بضغث فيه مائة شمراخ، ضربة واحدة، فيبر في يمينه. * (إنا وجدناه) * أي: أيوب * (صابرا) * أي: ابتليناه بالضر العظيم، فصبر لوجه الله تعالى. * (نعم العبد) * الذي كمل مراتب العبودية، في حال السراء والضراء، والشدة والرخاء. * (إنه أواب) * أي: كثير الرجوع إلى الله، في مطالبه الدينية والدنيوية، كثير الذكر لربه، والدعاء. والمحبة، والتأله. * (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) * يقول تعالى: * (واذكر عبادنا) * الذين أخلصوا لنا العبادة ذكرا حسنا. * (إبراهيم) * الخليل * (و) * ابنه * (إسحاق و) * ابنه * (يعقوب أولي الأيدي) * أي: القوة على عبادة الله تعالى * (والأبصار) * أي:
(٧١٤)