ببعض، وموافقة بعضهم بعضا، أنهم أجابوه لما قال، وذهبوا تبعا له، للاطلاع على قرينه * (فاطلع فرآه) * أي: رأى قرينه * (في سواء الجحيم) *، أي: في وسط العذاب وغمراته، والعذاب قد أحاط به. * (قال) * له، لائما على حاله وشاكرا لله، على أن نجاه من كيده. * (تالله إن كدت لتردين) * أي: تهلكني بسبب ما أدخلت علي من الشبه بزعمك. * (ولو نعمة ربي) * على أن ثبتني على الإسلام * (لكنت من المحضرين) * في العذاب معك * (أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين) * أي: يقوله المؤمن، مبتهجا بنعمة الله، على أهل الجنة بالخلود الدائم فيها، والسلامة من العذاب، استفهام بمعنى الإثبات والتقرير. وقوله: * (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) * وحذف المعمول، والمقام مقام لذة وسرور، يدل ذلك على أنهم يتساءلون بكل ما يلتذون بالتحدث به، والمسائل التي وقع فيها النزاع والإشكال. ومن المعلوم أن لذة أهل العلم بالتساؤل عن العلم، والبحث عنه، فوق اللذات الجارية في أحاديث الدنيا، فلهم من هذا النوع، النصيب الوافر. ويحصل لهم من انكشاف الحقائق العلمية في الجنة، ما لا يمكن التعبير عنه. فلما ذكر تعالى نعيم الجنة، ووصفه بهذه الأوصاف الجميلة، مدحه، وشوق العاملين، وحثهم على العمل له فقال: * (إن هذا لهو الفوز العظيم) * الذي حصل لهم به كل خير، وكل ما تهوى النفوس وتشتهي، واندفع عنهم به كل محذور ومكروه. فهل فوز يطلب فوقه؟ أم هو غاية الغايات، ونهاية النهايات، حيث حل عليهم رضا رب الأرض والسماوات، وفرحوا بقربه، وتنعموا بمعرفته وسروا برؤيته، وطربوا لكلامه؟ * (لمثل هذا فليعمل العاملون) * فهو أحق ما أنفقت فيه نفائس الأنفاس وأولى ما شمر إليه العارفون الأكياس. والحسرة كل الحسرة، أن يمضي على الحازم، وقت من أوقاته، وهو غير مشتغل بالعمل، الذي يقرب لهذه الدار، فكيف إذا كان يسير بخطاياه إلى دار البوار؟ * (أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم * إنا جعلناها فتنة للظالمين * إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم * طلعها كأنه رؤوس الشياطين * فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون * ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم * ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم * إنهم ألفوا آبآءهم ضآلين * فهم على آثارهم يهرعون * ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين * ولقد أرسلنا فيهم منذرين * فانظر كيف كان عاقبة المنذرين * إلا عباد الله المخلصين) * * (أذلك خير نزلا) * أي: ذلك النعيم الذي وصفناه لأهل الجنة، خير، أم العذاب الذي يكون في الجحيم، من جميع أصناف العذاب؟ فأي الطعامين أولى؟ الطعام الذي وصف في الجنة * (أم) * طعام أهل النار؟ وهو * (شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة) * أي: عذابا ونكالا * (للظالمين) * أنفسهم بالكفر والمعاصي. * (إنها شجرة تخرج من أصل الجيحم) * أي: وسطه فهذا مخرجها، ومعدنها شر المعادن وأسوؤها. وشر المغرس يدل على شر الغراس وخسته، ولهذا نبهنا الله على شرها، بما ذكر أين تنبت به، وبما ذكر من صفة ثمرتها. وأن * (طلعها كأنه رؤوس الشياطين) * فلا تسأل بعد هذا، عن طعمها، وما تفعل في أجوافهم وبطونهم، وليس لهم عنها مندوحة ولا معدل. ولهذا قال: * (فإنهم لآكلوا منها فمالئون منها البطون) * فهذا طعام أهل النار، فبئس الطعام طعامهم. ثم ذكر شرابهم فقال: * (ثم إن لهم عليها) * أي: على أثر هذا الطعام * (لشوبا من حميم) * أي: ماء حارا، قد تناهى حره، كما قال تعالى: * (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) * وكما قال تعالى: * (وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) *. * (ثم إن مرجعهم) * أي: مآلهم ومقرهم ومأواهم * (لإلى الجحيم) *، ليذوقوا من عذابه الشديد، وحره العظيم، ما ليس عليه مزيد من الشقاء. وكأنه قيل: ما الذي أوصلهم إلى هذه الدار؟ فقال: * (إنها ألفوا) * أي: وجدوا * (آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون) * أي: يسرعون في الضلال. فلم يلتفتوا إلى ما دعتهم إليه الرسل، ولا إلى ما حذرتهم عنه الكتب ولا إلى أقوال الناصحين. بل عارضوهم بأن قالوا: * (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) *. * (ولقد ضل قبلهم) * أي: قبل هؤلاء المخاطبين * (أكثر الأولين) * وقليل منهم من آمن واهتدى. * (ولقد أرسلنا فيهم منذرين) *
(٧٠٤)