تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٩٥
المثوبات والمسرات: أي: لو وصل علم ذلك إلى قلوبهم، لم يقيموا على شركهم. قال الله في عقوبة قومه: * (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء) * أي: ما احتجنا أن نتكلف في عقوبتهم، فننزل جندا من السماء لإتلافهم. * (وما كنا منزلين) * لعدم الحاجة إلى ذلك، وعظمة اقتدار الله تعالى، وشدة ضعف بني آدم، وأنهم أدنى شيء يصيبهم من عذاب الله يكفيهم. * (إن كانت) * أي: ما كانت عقوبتهم * (إلا صيحة واحدة) * أي: صوتا واحدا، تكلم به بعض ملائكة الله * (فإذا هم خامدون) * قد تقطعت قلوبهم في أجوافهم، وانزعجوا لتلك الصيحة، فأصبحوا خامدين، لا صوت ولا حركة، ولا حياة بعد ذلك العتو والاستكبار، ومقابلة أشرف الخلق، بذلك الكلام القبيح، وتجبرهم عليهم. قال الله مترحما للعباد: * (يا حسرة على العبادة ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) * أي: ما أعظم شقاءهم، وأطول عنادهم، وأشد جهلهم، حيث كانوا بهذه الصفة القبيحة، التي هي سبب لكل شقاء، وعذاب، ونكال * (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون وإن كل لما جميع لدينا محضرون) * يقول تعالى ألم ير هؤلاء، ويعتبروا بمن قلبهم، من القرون المكذبة، التي أهلكها تعالى، وأوقع بها عقابه، وأن جميعهم قد باد وهلك، فلم يرجع إلى الدنيا، ولن يرجع إليها. وسيعيد الله الجميع، خلقا جديدا، ويبعثهم بعد موتهم، ويحضرون بين يديه تعالى، ليحكم بينهم بحكمه العدل، الذي لا يظلم مثقال ذرة * (وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) *. * (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) * أي * (وآية لهم) * على البعث والنشور، والقيام بين يدي الله تعالى، للجزاء على الأعمال، هذه * (الأرض الميتة) * التي أنزل الله عليها المطر، فأحياها بعد موتها. * (وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون) * من جميع أصناف الزروع، ومن جميع أصناف النبات، التي تأكله أنعامهم * (وجعلنا فيها) * أي: في تلك الأرض الميتة. * (جنات) * أي: بساتين، فيها أشجار كثيرة، وخصوصا النخيل والأعناب، واللذان هما أشرف الأشجار * (وفجرنا فيها) * أي: في الأرض * (من العيون) *. جعلنا في الأرض تلك الأشجار، والنخيل، والأعناب * (ليأكلوا من ثمره) * قوتا وفاكهة، وأدما، ولذة. * (و) * الحال أن ذلك الثمر * (ما عملته أيديهم) * وليس لهم فيه صنع ولا عمل، إن هو إلا صنعة أحكم الحاكمين، وخير الرازقين. وأيضا فلم تعمله أيديهم، بطبخ ولا غيره، بل أوجد الله هذه الثمار، غير محتاجة لطبخ، ولا شيء، تؤخذ من أشجارها، فتؤكل في الحال. * (أفلا يشكرون) * من ساق لهم هذه النعم، وأسبغ عليهم من جوده وإحسانه، ما به تصلح أمور دينهم ودنياهم. أليس الذي أحيا الأرض بعد موتها، فأنبت فيها الزروع والأشجار، وأودع فيها لذيذ الثمار، وأظهر ذلك الجنى من تلك الغصون، وفجر الأرض اليابسة الميتة بالعيون، بقادر على أن يحيي الموتى؟ بلى، إنه على كل شيء قدير. * (سبحان الذي خلق الأزواج كلها) * أي: الأصناف كلها * (مما تنبت الأرض) * فنوع فيها من الأصناف، ما يعسر تعداده. * (ومن أنفسهم) * فنوعهم إلى ذكر وأنثى، وفاوت بين خلقهم، وخلقهم، وأوصافهم الظاهرة والباطنة. * (ومما لا يعلمون) * من المخلوقات، التي قد خلقت، وغابت عن علمنا، والتي لم تخلق بعد. فسبحانه وتعالى، أن يكون له شريك، أو ظهير، أو عوين، أو وزير، أو صاحبة، أو ولد، أو سمي، أو مثيل في صفات كماله، ونعوت جلاله، أو يعجزه شيء يريده. * (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون * والشمس تجري لمستقر له ا ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم * لا الشمس ينبغي لهآ أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) * أي: * (وآية لهم) * على نفوذ مشيئة الله، وكمال قدرته، وإحيائه الموتى بعد موتهم. * (الليل نسلخ منه النهار) * أي: نزيل منه الضياء العظيم، الذي طبق الأرض، فنبدله بالظلمة، ونحلها محله * (فإذا هم مظلمون) *. وكذلك نزيل هذه الظلمة، التي عمتهم وشملتهم، فنطلع الشمس، فتضيء الأقطار، وينتشر الخلق لمعايشهم ومصالحهم، ولهذا قال: * (والشمس تجري لمستقر
(٦٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 690 691 692 693 694 695 696 697 698 699 700 ... » »»