في الأرض إنه كان عليما قديرا * ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دآبة ول كن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) * يحض تعالى الناس، على السير في الأرض، بالقلوب والأبدان، للاعتبار لا لمجرد النظر والغفلة، وأن ينظروا إلى عاقبة الذين من قبلهم، ممن كذبوا الرسل، وكانوا أكثر منهم أموالا وأولادا، وأشد قوة، وعمروا الأرض أكثر مما عمرها هؤلاء. فلما جاءهم العذاب، لم تنفعهم قوتهم، ولم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، ونفذت فيهم قدرة الله ومشيئته. * (وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض) * لكمال علمه وقدرته * (إنه كان عليما) * بالأشياء كلها * (قديرا) * عليها. ثم ذكر تعالى، كمال حلمه، وشدة إمهالة وإنظاره، أرباب الجرائم والذنوب فقال: * (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا) * من الذنوب * (ما ترك على ظهرها من دابة) * أي: لاستوعبت العقوبة، حتى الحيوانات غير المكلفة. * (ولكن) * يمهلهم تعالى ولا يهملهم * (يؤخرهم إلى أجل مسمى، فإذا أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) * فيجازيهم بحسب ما علمه منهم، من خير وشر. تم تفسير سورة فاطر. سورة يس * (يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم * تنزيل العزيز الرحيم * لتنذر قوما ما أنذر آبآؤهم فهم غافلون * لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون * إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * وسوآء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحم ن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم * إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) * هذا قسم من الله تعالى بالقرآن الحكيم، الذي وصفه الحكمة، وهي وضع كل شيء موضعه: وضع الأمر والنهي، في المحل اللائق بهما. فأحكامه الشرعية والجزائية كلها مشتملة على غاية الحكمة. ومن حكمة هذا القرآن، أنه يجمع بين ذكر الحكم وحكمته، فينبه العقول على المناسبات والأوصاف المقتضية لترتيب الحكم عليها. * (إنك لمن المرسلين) * هذا هو المقسم عليه، وهو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنك يا محمد، من جملة المرسلين، فلست ببدع من الرسل. وأيضا فجئت بما جاء به الرسل من الأصول الدينية. وأيضا فمن تأمل أحوال المرسلين، وأوصافهم، وعرف الفرق بينهم وبين غيرهم، عرف أنك من خيار المرسلين، بما فيك من الصفات الكاملة، والأخلاق الفاضلة. ولا يخفى ما بين المقسم به، وهو القرآن الحكيم، وبين المقسم عليه، وهو رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، من الاتصال، وأنه لو لم يكن لرسالته دليل ولا شاهد، إلا هذا القرآن الحكيم، لكفى به دليلا وشاهدا، على رسالة محمد. بل القرآن العظيم، أقوى الأدلة المتصلة المستمرة، على رسالة الرسول. فأدلة القرآن كلها، أدلة لرسولة محمد صلى الله عليه وسلم. ثم أخبر بأعظم أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم، الدالة على رسالته، وهو أنه * (على صراط مستقيم) * معتدل موصل إلى الله وإلى دار كرامته. وذلك الصراط المستقيم، مشتمل على أعمال، وهي الأعمال الصالحة، والمصلحة للقلب والبدن، والدنيا والآخرة، والأخلاق الفاضلة المزكية للنفس المطهرة للقلب، المنمية للأجر. فهذا الصراط المستقيم، الذي هو وصف الرسول صلى الله عليه وسلم، ووصف دينه الذي جاء به. فتأمل جلالة هذا القرآن الكريم، كيف جمع بين القسم بأشرف الأقسام، على أجل مقسم عليه. وخبر الله وحده كاف، ولكنه تعالى أقام من الأدلة الواضحة، والبراهين الساطعة في هذا الموضع، على صحة ما أقسم عليه، من رسالة رسوله، وما نبهنا عليه، وأشرنا إشارة لطيفة لسلوك طريقه. وهذا الصراط المستقيم * (تنزيل العزيز الرحيم) * فهو الذين أنزل به كتابه، وأنزله طريقا لعباده، موصلا لهم إليه، فحماه بعزته، عن التغيير والتبديل، ورحم به عباده، رحمة اتصلت بهم، حتى أوصلتهم إلى دار رحمته. ولهذا ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين، العزيز، الرحيم. فلما أقسم تعالى على رسالته، وأقام الأدلة عليها، ذكر شدة الحاجة إليها واقتضاء الضرورة لها فقال: * (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) * وهم العرب الأميون، الذين لم يزالوا خالين
(٦٩٢)