* (فلا فوت) * لهم وليس لهم عنه مهرب. * (وأخذوا من مكان قريب) * أي: ليس بعيدا عن محل العذاب، بل يأخذون، ثم يقذفون في النار. * (وقالوا) * في تلك الحال: * (آمنا بالله) * وصدقنا ما به كذبنا * (و) * لكن * (أنى لهم التناوش) * أي: تناول الإيمان * (من مكان بعيد) * قد حيل بينهم وبينه، وصار من الأمور المحالة في هذه الحالة. فلو أنهم آمنوا وقت الإمكان، لكان إيمانهم مقبولا. ولكنهم * (كفروا به من قبل ويقذفون) * أي: يرمون * (بالغيب من مكان بعيد) * بقذفهم الباطل، ليدحضوا به الحق. ولكن لا سبيل إلى ذلك، كما لا سبيل للرامي، من مكان بعيد إلى إصابة الغرض. فكذلك الباطل، من المحال أن يغلب الحق أو يدفعه، وإنما يكون له صولة، وقت غفلة الحق عنه، فإذا برز الحق وقاوم الباطل قمعه. * (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) * من الشهوات واللذات، والأولاد، والأموال، والخدم والجنود. وقد انفردوا بأعمالهم، وجاءوا فرادى، كما خلقوا، وتركوا ما خولوا، وراء ظهورهم. * (كما فعل بأشياعهم من قبل) * أي: من الأمم السابقين، حين جاءهم الهلاك، حيل بينهم وبين ما يشتهون. * (إنهم كانوا في شك مريب) * أي: يحدث الريبة وقلق القلب، فلذلك لم يؤمنوا، ولم يعتبوا حين استعتبوا. تم تفسير سورة سبأ ولله الحمد والمنة، والفضل، ومنه العون، وعليه التوكل، وبه الثقة. سورة فاطر * (الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير * ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم) * يمدح تعالى نفسه الكريمة المقدسة، على خلقه السماوات والأرض، وما اشتملتا عليه من المخلوقات، لأن ذلك، دليل على كمال قدرته، وسعة ملكه، وعموم رحمته، وبديع حكمته، وإحاطة علمه. ولما ذكر الخلق، ذكر بعده، ما يتضمن الأمر، وهو: أنه * (جاعل الملائكة رسلا) * في تدبير أوامره القدرية، ووسائط بينه وبين خلقه، في تبليغ أوامره الدينية. وفي ذكره أنه جعل الملائكة رسلا، ولم يستثن منهم أحدا، دليل على كمال طاعتهم لربهم، وانقيادهم لأمره، كما قال تعالى: * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) *. ولما كانت الملائكة مدبرات، بإذن الله. ما جعلهم الله موكلين فيه، ذكر قوتهم على ذلك، وسرعة سيرهم، بأن جعلهم * (أولي أجنحة) * تطير بها، فتسرع بتنفيذ ما أمرت به. * (مثنى وثلاث ورباع) * أي: منهم من له جناحان، وثلاثة، وأربعة، بحسب ما اقتضته حكمته، * (يزيد في الخلق ما يشاء) * أي: يزيد بعض مخلوقاته على بعض، في صفة خلقها، وفي القوة، وفي الحسن، وفي زيادة الأعضاء المعهودة، وفي حسن الأصوات، ولذة النغمات. * (إن الله على كل شيء قدير) * فقدرته تعالى، تأتي على ما يشاؤه، ولا يستعصي عليها شيء، ومن ذلك، زيادة مخلوقاته، بعضها على بعض. ثم ذكر انفراده تعالى، بالتدبير، والعطاء، والمنع فقال: * (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك) * من رحمته عنهم * (فلا مرسل له من بعده) * فهذا يوجب التعلق بالله تعالى، والافتقار إليه من جميع الوجوه، وأن لا يدعى إلا هو، ولا يخاف ويرجى، وإلا هو. * (وهو العزيز) * الذي قهر الأشياء كلها * (الحكيم) * الذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها. * (يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إل ه إلا هو فأنى تؤفكون * وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور) * يأمر تعالى، جميع الناس أن يذكروا نعمته عليهم. وهذا شامل لذكرها بالقلب اعترافا، وباللسان ثناء، وبالجوارح انقيادا، فإن ذكر نعمه تعالى، داع لشكره. ثم نبههم على أصول النعم، وهي: الخلق، والرزق فقال: * (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض) *. ولما كان من المعلوم، أنه ليس أحد يخلق ويرزق إلا الله، نتج من ذلك، أن كان ذلك، دليلا على ألوهيته وعبوديتة، ولهذا قال: * (لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) * أي: تصرفون عن عبادة الخالق الرازق لعبادة المخلوق المرزوق. * (وإن يكذبوك) * يا أيها الرسول، فلك أسوة بمن قبلك من المرسلين. * (فقد كذبت رسل من قبلك) * فأهلك المكذبون، ونجى الله الرسل وأتباعهم. * (وإلى الله ترجع الأمور) * في الآخرة، فيجازي المكذبين، وينصر المرسلين وأتباعهم. * (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير) * يقول تعالى: * (يا أيها الناس إن
(٦٨٤)