المرسلون) * من الله تعالى يأمرونهم بعبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، وينهونهم عن الشرك والمعاصي. * (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث) * أي: قويناهما بثالث، فصاروا ثلاثة رسل، اعتناء من الله بهم، وإقامة للحجة، بتوالي الرسل إليهم. * (فقالوا) * (لهم) * (إنا إليكم مرسلون) * فأجابوهم بالجواب، الذي ما زال مشهورا عند من رد دعوة الرسل. * (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) * أي: فما الذي فضلكم علينا، وخصكم من دوننا؟ قالت الرسل لأممهم: * (إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) *. * (وما أنزل الرحمن من شيء) * أي: أنكروا عموم الرسالة. ثم أنكروا أيضا المخاطبين لهم فقالوا: * (إن أنتم إلا تكذبون) *. فقال هؤلاء الرسل الثلاثة: * (ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) * فلو كنا كاذبين، لأظهر الله خزينا، ولبادرنا بالعقوبة. * (وما علينا إلا البلاغ المبين) * أي: البلاغ المبين الذي يحصل به، توضيح الأمور المطلوب بيانها. وما عدا هذا من آيات الاقتراح، أو من سرعة العذاب، فليس إلينا. وإنما وظيفتنا، التي هي البلاغ المبين، قمنا بها، وبيناها لكم. فإن اهتديتم، فهو حظكم وتوفيقكم، وإن ضللتم، فليس لنا من الأمر شيء. فقال أصحاب القرية لرسلهم: * (إنا تطيرنا بكم) * أي: لم نر على قدومكم علينا، واتصالكم بنا، إلا الشر. وهذا من أعجب العجائب، أن يجعل من قدم عليهم بأجل نعمة ينعم الله بها على العبادة، وأجل كرامة يكرمهم بها، وضرورته إليها فوق كل ضرورة، قد قدم بحالة شر، زادت على الشر الذي هم عليه، واستشأموا بها. ولكن الخذلان، وعدم التوفيق، يصنع بصاحبه أعظم مما يصنع به عدوه. ثم توعدوهم فقالوا: * (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) * أي: لنقتلنكم رجما بالحجارة، أشنع القتلات * (وليمسنكم منا عذاب أليم) *. فقال لهم رسلهم: * (طائركم معكم) * وهو: ما معهم من الشرك والشر، المقتضي لوقوع المكروه والنقمة، وارتفاع المحبوب والنعمة. * (أإن ذكرتم) * أي: بسبب أنا ذكرناكم ما فيه صلاحكم وحظكم، قلتم لنا ما قلتم. * (بل أنتم قوم مسرفون) * متجاوزون للحد، متجرهمون في قولكم. فلم يزدهم دعاؤهم إلا نفورا واستكبارا. * (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) * حرصا على نصح قومه، حين سمع ما دعت إليه الرسل، وآمن به، وعلم ما رد به قومه عليهم فقال: * (يا قوم اتبعوا المرسلين) * فأمرهم باتباعهم، ونصحهم على ذلك، وشهد لهم بالرسالة. ثم ذكر تأييدا لما شهد به ودعا إليه، فقال: * (اتبعوا من لا يسألكم أجرا) * أي: اتبعوا من نصحكم نصحا، يعود عليكم بالخير، وليس يريد منكم أموالكم، وأجرا على نصحه لكم، وإرشاده إياكم، فهذا موجب لاتباع من هذا وصفه. بقي أن يقال: فلعله يدعو ولا يأخذ أجرة، ولكنه ليس على الحق. فدفع هذا الاحتراز بقوله: * (وهم مهتدون) * لأنهم لا يدعون إلا لما يشهد العقل الصحيح بحسنه، ولا ينهون إلا عما يشهد العقل الصحيح بقبحه. فكأن قومه لم يقبلوا نصحه، بل عادوا لائمين له، على اتباع الرسل، وإخلاص الدين لله وحده فقال: * (ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) * أي: وما المانع لي، من عبادة من هو المستحق للعبادة؛ لأنه الذي فطرني، وخلقني ورزقني، وإليه مآل جميع الخلق، فيجازيهم بأعمالهم. فالذي بيده الخلق والرزق، والحكم بين العباد، في الدنيا والآخرة، هو الذي يستحق أن يعبد، ويثنى عليه ويمجد، دون من لا يملك نفعا ولا ضرا، ولا عطاء ولا منعا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا ولهذا قال: * (أأتخذ من دونه آلهة إن يردني الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا) * لأنه لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه، فلا تغني شفاعتهم عني شيئا * (ولا ينقذون) * من الضر الذي أراده الله بي. * (إني إذا) * أي: إن عبدت آلهة هذا وصفها * (لفي ضلال مبين) * فجمع في هذا الكلام، بين نصحهم، والشهادة للرسل بالرسالة، والاهتداء والإخبار بتعين عبادة الله وحده. وذكر الأدلة عليها، وأن عبادة غيره باطلة، وذكر البراهين عليها، والإخبار بضلال من عبدها، والإعلان بإيمانه جهرا، مع خوفه الشديد من قتلهم فقال: * (إني آمنت بربكم فاسمعون) * فقتله قومه، لما سمعوا منه وراجعهم بما راجعهم به. * (قيل) * له في الحال * (ادخل الجنة، قال) * مخبرا بما وصل إليه من الكرامة على توحيده، وإخلاصه، وناصحا لقومه بعد وفاته، كما نصح لهم في حياته. * (يا ليت قومي يعلمون. بما غفر لي ربي) * أي: بأي شيء غفر لي، فأزال عني أنواع العقوبات. * (وجعلني من المكرمين) *
(٦٩٤)