تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٩٧
الغرق، ولهذا نبههم على نعمته عليهم، حيث أنجاهم من الغرق، مع قدرته على ذلك قال: * (وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم) * أي: لا أحد يصرخ لهم، فيعاونهم على الشدة، ولا يزيل عنهم المشقة * (ولا هم ينقذون) * مما هم فيه. * (إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين) * حيث لم نغرقهم، لطفا بهم، وتمتيعا لهم إلى حين، لعلهم يرجعون، أو يستدركون ما فرط منهم. * (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم) * أي: من أحوال البرزخ والقيامة، وما في الدنيا من العقوبات * (لعلكم ترحمون) *. أعرضوا عن ذلك، فلم يرفعوا به رأسا، ولو جاءتهم كل آية، ولهذا قال: * (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) *. وفي إضافة الآيات إلى ربهم، دليل على كمالها ووضوحها، لأنه ما أبين من آيات الله، ولا أعظم بيانا. وإن من جملة تربية الله لعباده، أن أوصل إليهم الآيات التي يستدلون بها على ما ينفعهم، في دينهم ودنياهم. * (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله) * أي: من الرزق الذي من به الله عليكم، ولو شاء لسلبكم إياه. * (قال الذين كفروا للذين آمنوا) * معارضين للحق، محتجين بالمشيئة: * (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم) * أيها المؤمنون * (إلا في ضلال مبين) * حيث تأمروننا بذلك. وهذا مما يدل على جهلهم العظيم، أو تجاهلهم الوخيم، فإن المشيئة ليست حجة لعاص أبدا. فإنه وإن كان ما شياء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فإنه تعالى مكن العباد، وأعطاهم من القوة، ما يقدرون على فعل الأمر، واجتناب النهي. فإذا تركوا ما أمروا به، كان ذلك اختيارا منهم، لا جبرا لهم ولا قهرا. * (ويقولون) * على وجه التكذيب والاستعجال: * (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) *. قال الله تعالى: لا يستبعدوا ذلك، فإنه عن قريب * (ما ينظرون إلا صيحة واحدة) * وهي نفخة الصور * (تأخذهم) * أي: تصيبهم * (وهم يخصمون) * أي: وهم لا هون عنها، لم تخطر على قلوبهم في حال خصومتهم، وتشاجرهم فيما بينهم، الذي لا يوجد في الغالب إلا وقت الغفلة. وإذا أخذتهم وقت غفلتهم، فإنهم لا ينظرون ولا يمهلون * (فلا يستطيعون توصية) * أي: لا قليلة ولا كثيرة * (ولا إلى أهلهم يرجعون) *. * (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون * قالوا يويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحم ن وصدق المرسلون * إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون * فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون) * النفخة الأولى، نفخة الفزع والموت، وهذه نفخة البعث والنشور. فإذا نفخ في الصور، خرجوا من الأجداث والقبور، ينسلون إلى ربهم أي: يسرعون للحضور بين يديه، لا يتمكنون من التأني والتأخر. وفي تلك الحال، يحزن المكذبون، ويظهرون الحسرة والندم، ويقولون: * (يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) * أي: من رقدتنا في القبور، لأنه ورد في بعض الأحاديث، أن لأهل القبور رقدة، قبيل النفخ في الصور. فيجابون، ويقال لهم: * (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) * أي: هذا الذي وعدكم الله به، ووعدتكم به الرسل، فظهر صدقهم، رأي العين. ولا تحسب أن ذكر الرحمن في هذا الموضع، لمجرد الخبر عن وعده، وإنما ذلك للإخبار بأنه في ذلك اليوم العظيم، سيرون من رحمته، ما لا يخطر في الظنون، ولا حسب الحاسبون، كقوله: * (الملك يومئذ الحق للرحمن) *، * (وخشعت الأصوات للرحمن) * ونحو ذلك، مما يذكر اسمه الرحمن، في هذا. * (إن كان) * أي: ما كانت ابعثة من القبور * (إلا صيحة واحدة) * ينفخ إسرافيل في الصور، فتحيا الأجساد. * (فإذا هم جميع لدينا محضرون) * الأولون والآخرون، والإنس والجن ليحاسبوا على أعمالهم. * (فاليوم لا تظلم نفس شيئا) * لا ينقص من حسناتها، ولا يزاد في سيئاتها. * (ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون) * من خير أو شر. فمن وجد خيرا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه. * (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم) * لما ذكر تعالى أن كل أحد لا يجزى إلا ما عمله، ذكر جزاء الفريقين. فبدأ بجزاء أهل الجنة، وأخبر أنهم في ذلك اليوم * (في شغل فاكهون) * أي: في شغل مفكه للنفس، ملذ لها، من كل ما تهواه النفوس، وتلذه العيون، ويتمناه المتمنون. ومن ذلك لقاء العذارى الجميلات، كما قال: * (هم وأزواجهم) * من الحور العين، اللاتي قد
(٦٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 692 693 694 695 696 697 698 699 700 701 702 ... » »»