* (فألقوه في الجحيم) * جزاء على ما فعل من تكسير آلهتهم. * (فأرادوا به كيدا) * ليقتلوه، أشنع قتله * (فجعلناهم الأسفلين) * رد الله كيدهم في نحورهم، وجعل النار على إبراهيم بردا وسلاما. * (و) * لما فعلوا فيه هذا الفعل، وأقام عليهم الحجة، وأعذر منهم * (قال إني ذاهب إلى ربي) * أي: مهاجر إليه، قاصد إلى الأرض المباركة، أرض الشام. * (سيهدين) * يدلني على ما فيه الخير لي، من أمر ديني ودنياي. وقال في الآية الأخرى: * (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا) *. * (رب هب لي) * ولدا يكون * (من الصالحين) * وذلك، عندما أيس من قومه، ولم ير فيهم خيرا، دعا الله أن يهب له غلاما صالحا، ينفع الله به في حياته، وبعد مماته. فاستجاب الله له وقال: * (فبشرناه بغلام حليم) * وهذا إسماعيل عليه السلام بلا شك، فإنه ذكر بعده البشارة، وبإسحاق، لأن الله تعالى قال في بشراه بإسحاق: * (فبشرناه بإسحاق، ومن وراء إسحاق ويعقوب) * فدل على أن إسحاق غير الذبيح. ووصف الله إسماعيل عليه السلام بالحلم، وهو يتضمن الصبر، وحسن الخلق، وسعة الصدر، والعفو عمن جنى. * (فلما بلغ) * الغلام * (معه السعي) * أي: أدرك أن يسعى معه، وبلغ سنا يكون في الغالب، أحب ما يكون لوالديه، قد ذهبت مشقته، وأقبلت منفعته. فقال له إبراهيم عليه السلام: * (إني أرى في المنام أني أذبحك) * أي: قد رأيت في النوم. والرؤيا، أن الله يأمرني بذبحك، ورؤيا الأنبياء وحي * (فانظر ماذا ترى) * فإن أمر الله تعالى، لا بد من تنفيذه. * (قال) * إسماعيل صابرا محتسبا، مرضيا لربه، وبارا بوالده: * (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) *. أخبر أباه أنه موطن نفسه على الصبر، وقرن ذلك بمشيئة الله تعالى، لأنه لا يكون شيء بدون مشيئة الله. * (فلما أسلما) * أي: إبراهيم وابنه إسماعيل: إبراهيم جازما بقتل ابنه وثمرة فؤاده، امتثالا لأمر ربه، وخوفا من عقابه. والابن قد وطن نفسه على الصبر، وهانت عليه وفي طاعة ربه، ورضا والده. * (وتله للجبين) * أي: تل إبراهيم إسماعيل على جبينه، ليضجعه فيذبحه، وقد انكب لوجهه، لئلا ينظر وقت الذبح إلى وجهه. * (104 105) * (وناديناه) * في تلك الحال المزعجة، والأمر المدهش * (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) * أي: قد فعلت ما أمرت به، فإنك وطنت نفسك على ذلك، وفعلت كل سبب ولم يبقى إلا إمرار السكين على حلقه * (إنا كذلك نجزي المحسنين) * في عبادتنا، المقدمين رضانا على شهوات أنفسهم. * (إن هذا) * الذي امتحنا به إبراهيم عليه السلام * (لهو البلاء المبين) * أي: الواضح، الذي تبين به صفاء إبراهيم، وكمال محبته لربه، وخلته. فإن إسماعيل عليه السلام لما وهبه الله لإبراهيم، أحبه حبا شديدا، وهو خليل الرحمن، والخلة أعلى أنواع المحبة، وهو منصب لا يقبل المشاركة ويقتضي أن تكون جميع أجزاء القلب متعلقة بالمحبوب. فلما تعلقت شعبة من شعب قلبه، بابنه إسماعيل، أراد تعالى أن يصفي وده ويختبر خلته. فأمره أن يذبح من زاحم حبه حب ربه. فلما قدم حب الله، وآثره على هواه، وعزم على ذبحه، وزال ما في القلب من المزاحمة، بقي الذبح لا فائدة فيه، فلهذا قال: * (إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم) * أي: صار بدله ذبح من الغنم عظيم، ذبحه إبراهيم. فكان عظيما من جهة أنه كان فداء لإسماعيل. من جهة أنه كان قربانا وسنة إلى يوم القيامة. * (وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم) * أي: وأبقينا علينا ثناء صادقا في الآخرين، كما كان في الأولين. فكل وقت بعد إبراهيم عليه السلام، فإنه فيه محبوب معظم مثني عليه. * (سلام على إبراهيم) * أي: تحية عليه كقوله: * (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى) *. * (إنا كذلك نجزي المحسنين) * في عبادة الله، ومعاملة خلقه، أن نفرج عنهم الشدائد، ونجعل لهم العاقبة، والثناء الحسن. * (إنه من عبادنا المؤمنين) * بما أمر الله بالإيمان به، الذي بلغ بهم الإيمان إلى درجة اليقين، كما قال تعالى: * (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) *. * (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) * هذه البشارة الثانية بإسحاق، الذي من ورائه يعقوب. فبشر بوجوده وبقائه، ووجود ذريته، وكونه نبيا من الصالحين. فهي بشارات متعددة. * (وباركنا عليه وعلى إسحاق) * أي: أنزلنا عليهما البركة، التي هي النمو والزيادة في علمهما وعملهما وذريتهما فنشر الله من ذريتهما ثلاث أمم عظيمة. أمة العرب من ذرية إسماعيل، وأمة بني إسرائيل، وأمة الروم من ذرية إسحاق. * (ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) * أي: منهم الصالح والطالح، والعادل والظالم الذي تبين ظلمه، بكفره وشركه. قال: * (وباركنا عليه وعلى إسحاق) * اقتضى ذلك البركة في ذريتهما، وأن من تمام البركة، أن تكون الذرية كلهم محسنين. فأخبر الله تعالى أن منهم محسنا، وظالما. والله أعلم. * (ولقد مننا على
(٧٠٦)