جنس المحال، أن يكون شاعرا؛ لأنه رشيد مهتد، والشعراء غاوون، يتبعهم الغاوون. ولأن الله تعالى، حسم جميع الشبه، التي يتعلق بها الضالون، عن رسوله. فحسم أن يكون يكتب أو يقرأ، وأخبر أنه ما علمه الشعر، وما ينبغي له * (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) * أي: ما هذا الذي جاء به إلا ذكر يتذكر به أولو الألباب، جميع المطالب الدينية، فهو مشتمل عليها، أتم اشتمال وهو يذكر العقول، ما ركز الله في فطرها من الأمر بكل حسن، والنهي عن كل قبيح. * (وقرآن مبين) * أي: مبين لما يطلب بيانه. ولهذا حذف المعمول، ليدل على أنه مبين لجميع الحق، بأدلته التفصيلية، والإجمالية، والباطل وأدلة بطلانه، وأنزله الله كذلك على رسوله. * (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينآ أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون * ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون) * * (لينذر من كان حيا) * أي: حي القلب واعيه، فهو الذي يزكو على هذا القرآن. وهو الذي يزداد من العلم منه والعمل، ويكون القرآن لقلبه، بمنزلة المطر للأرض الطيبة الزاكية. * (ويحق القول على الكافرين) * لأنهم قامت عليهم به حجة الله، وانقطع احتجاجهم، فلم يبق لهم أدنى عذر وشبهة يدلون بها. يأمر تعالى العباد بالنظر إلى ما سخر لهم من الأنعام وذللها، وجعلهم مالكين لها، مطاوعة لهم في كل أمر يريدونه منها، وأنه جعل لهم فيها منافع كثيرة من حملهم، وحمل أثقالهم، ومحاملهم، وأمتعتهم، من محل إلى محل، ومن أكلهم منها، وفيها دفء، ومن أوبارها وأصوافها وأشعارها وأثاثا ومتاعا إلى حين. وفيها زينة وجمال، وغير ذلك من المنافع المشاهدة منها. * (أفلا يشكرون) * الله تعالى الذي أنعم بهذه النعم، ويخلصون له العبادة ولا يتمتعون بها تمتعا خاليا من العبرة والفكرة. * (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون) * هذا بيان لبطلان آلهة المشركين، التي اتخذوها مع الله تعالى، ورجوا نصرها وشفعها (أي: شفاعتها ووساطتها بينهم وبين الله). فإنها في غاية العجز * (لا يستطيعون نصرهم) * ولا أنفسهم ينصرون. فإذا كانوا لا يستطيعون نصرهم، فكيف ينصرونهم؟ والنصر له شرطان: الاستطاعة، والقدرة. فإذا استطاع، يبقى، هل يريد نصرة من عبده أم لا؟ فنفي الاستطاعة، ينفي الأمرين كليهما. * (وهم لهم جند محضرون) * أي: محضرون هم وهم في العذاب، ومتبرىء بعضهم من بعض. أفلا تبرأوا في الدنيا من عبادة هؤلاء، وأخلصوا العبادة، للذي بيده الملك والنفع والضر، والعطاء والمنع، وهو الولي النصير؟ * (فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون) * أي: فلا يحزنك، يا أيها الرسول، قول المكذبين، والمراد بالقول: ما دل عليه السياق، كل قول يقدحون به في الرسول، أو فيما جاء به. أي: فلا تشغل قلبك بالحزن عليهم * (إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون) * فنجازيهم على حسب علمنا بهم، وإلا فقولهم لا يضرك شيئا. * (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأهآ أول مرة وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون * أول يس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون * فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون) * وهذه الآيات الكريمات، فيها، ذكر شبهة منكري البعث، والجواب عنها بأتم جواب، وأحسنه، وأوضحه، فقال تعالى: * (أو لم ير الإنسان) * المنكر للبعث أو الشاك فيه، أمرا يفيده اليقين التام بوقوعه وهو: * (أنا خلقناه) * ابتداء * (من نطفة) * ثم تنقله في الأطوار شيئا فشيئا، حتى كبر وشب، وتم عقله، واستتب. * (فإذا هو خصيم مبين) * بعد أن كان ابتداء خلقه من نطفة. فلينظر التفاوت بين هاتين الحالتين، واليعلم أن الذي أنشأه من العدم، قادر على أن يعيده بعدما تفرق وتمزق، من باب أولى. * (وضرب لنا مثلا) * لا ينبغي لأحد أن يضربه، وهو قياس قدره الخالق بقدره المخلوق، وأن الأمر المستبعد على قدرة المخلوق، مستبعد على قدرة الخالق. فسر هذا المثل بقوله: * (قال) * ذلك الإنسان * (من يحيي العظام وهي رميم) * أي: هل أحد يحييها؟ استفهام إنكار، أي: لا أحد يحييها بعدما بيليت وتلاشت. هذا وجه الشبهة والمثل، وهو أن هذا أمر في غاية البعد على ما يعهد من قدرة البشر. وهذا القول الذي صدر من هذا الإنسان، غفلة منه، ونسيان لابتداء خلقه. فلو فطن لخلقه، بعد أن لم يكن شيئا مذكورا فوجد عيانا، لم يضرب هذا المثل. فأجاب تعالى عن هذا الاستبعاد، بجواب شاف كاف فقال: * (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) * وهذا بمجرد تصوره، يعلم به علما يقينا لا شبهة فيه، أن الذي أنشأها أول مرة
(٦٩٩)