تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٠٠
قادر على الإعادة، ثاني مرة، وهو أهون على القدرة، إذا تصوره المتصور * (وهو بكل خلق عليم) *. هذا أيضا دليل ثان من صفات الله تعالى، وهو أن علمه تعالى، محيط بجميع مخلوقاته في جميع أحوالها، في جميع الأوقات. ويعلم ما تنقص الأرض من أجساد الأموات، وما يبقى، ويعلم الغيب والشهادة. فإذا أقر العبد بهذا العلم العظيم، علم أنه أعظم وأجل من إحياء الله الموتى من قبورهم. ثم ذكر دليلا ثالثا فقال: * (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) * فإذا أخرج النار اليابسة، من الشجر الأخضر، الذي هو غاية الرطوبة، مع تضادهما، وشدة تخالفهما، فإخراجه الموتى من قبورهم، مثل ذلك. ثم ذكر دليلا رابعا فقال: * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض) * على سعتهما وعظمهما * (بقادر على أن يخلق مثلهم) * أي: أن يعيدهم بأعيانهم. * (بلي) * قادر على ذلك، فإنه خلق السماوات والأرض، أكبر من خلق الناس. * (وهو الخلاق العليم) * وهذا دليل خاص، فإنه تعالى الخلاق، الذي جمع المخلوقات، متقدمها، ومتأخرها، وصغيرها، وكبيرها كلها أثر من آثار خلقه وقدرته، وأنه لا يستعصي عليها مخلوق أراد خلقه. فإعادته للأموات، فرد من أفراد آثار خلقه، ولهذا قال: * (إنما أمره إذا أراد شيئا) * نكرة في سياق الشرط، فتعم كل شيء. * (أن يقول له كن فيكون) * أي: في الحال من غير تمانع. * (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء) * وهذا دليل سادس، فإنه تعالى هو الملك المالك لكل شيء، الذي جميع ما سكن في العالم العلوي والسفلي مالك له، وعبيد مسخرون ومدبرون، يتصرف فيهم بأقداره الحكيمة، وأحكامه الشرعية، وأحكامه الجزائية. فإعادته إياهم بعد موتهم، لينفذ فيهم حكم الجزاء، من تمام ملكه، ولهذا قال: * (وإليه ترجعون) * من غير امتراء ولا شك، لتواتر البراهين القاطعة والأدلة الساطعة، على ذلك. فتبارك الذي جعل في كلامه الهدي والشفاء والنور. تم تفسير سورة يس. سورة الصافات * (والصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا * إن إل هكم لواحد * رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق * إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب * فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنآ إنا خلقناهم من طين لازب) * هذا قسم منه تعالى، بالملائكة الكرام، في حال عباداتها، وتدبيرها ما تدبره بإذن ربها، على ألوهيته تعالى، وربوبيته، فقال: * (والصافات صفا) * أي: صفوفا في خدمة ربهم، وهم الملائكة. * (فالزاجرات زجرا) * وهم الملائكة، يزجرون السحاب وغيره بأمر الله. * (فالتاليات ذكرا) * وهم: الملائكة الذين يتلون كلام الله تعالى. فلما كانوا متألهين لربهم، ومتعبدين في خدمته، ولا يعصونه طرفة عين، أقسم بهم على ألوهيته فقال: * (إن إلهكم لواحد) * ليس له شريك في الإلهية، فأخلصوا له الحب، والخوف، والرجاء، وسائر أنواع العبادة. * (رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق) * أي: هو الخالق لهذه المخلوقات، الرازق لها، المذل لها. فكما أنه لا شريك له في ربوبيته إياها، فكذلك لا شريك له في ألوهيته. وكثيرا ما يقرن تعالى، توحيد الإلهية، بتوحيد الربوبية؛ لأنه دال عليه. وقد أقر به أيضا المشركون في العبادة، فليزمهم بما أقروا به على ما أنكروه. وخص الله المشارق بالذكر، لدلالتها على المغارب، أو لأنها مشارق النجوم، التي سيذكرها، فلهذا قال: * (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى) *. ذكر الله في الكواكب، هاتين الفائدتين العظيمتين: إحداهما: كونها زينة للسماء، إذ لولاها، لكانت السماء مظلمة، لا ضواء فيها. ولكن زينها بها لتستنير أرجاؤها، وتحسن صورتها، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ويحصل فيها من المصالح ما يحصل. والثانية: حراسة السماء، عن كل شيطان مارد، يصل بتمرده إلى استماع الملأ الأعلى، وهم: الملائكة. فإذا استمعوا * (يقذفون) * بالشهب الثواقب * (من كل جانب) * طردا لهم، وإبعادا إياهم، عن استماع ما يقول الملأ الأعلى.
(٧٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 695 696 697 698 699 700 701 702 703 704 705 ... » »»