جنات مشتملات، على الأشجار، والظل، والظليل، والحدائق الحسنة، والأنهار المتدفقة، والقصور العالية، والمنازل المزخرفة، في أبد لا يزول، وعيش لا ينفد. والعدن (الإقامة) فجنات عدن أي: جنات إقامة، أضافها للإقامة، لأن الإقامة والخلود وصفها ووصف أهلها. * (يحلون فيها من أساور من ذهب) * وهو الحلي الذي يجعل في اليدين، على ما يحبون، ويرون أنه أحسن من غيره، الرجال والنساء في الحلية في الجنة سواء. * (و) * يحلون فيها * (لؤلؤا) * ينظم في ثيابهم وأجسادهم. * (ولباسهم فيها حرير) * من سندس، ومن إستبرق أخضر. * (و) * لما تم نعيمهم، وكملت لذتهم * (قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) * وهذا يشمل كل حزن، فلا حزن يعرض لهم بسبب نقص في جمالهم، ولا في طعامهم وشرابهم، ولا في لذاتهم ولا في أجسادهم، ولا في دوام لبثهم. فهم في نعيم، ما يرون عليه مزيدا، وهو في تزايد أبد الآباد. * (إن ربنا لغفور) * حيث غفر لنا الزلات * (شكور) * حيث قبل منا الحسنات، وضاعفها، وأعطانا من فضله، ما لم تبلغه أعمالنا ولا أمانينا؛ فبمغفرته نجوا من كل مكروه ومرهوب، وبشكره وفضله، حصل لهم كل مرغوب محبوب. * (الذي أحلنا) * أي: أنزلنا نزول حلول واستقرار، لا نزول معبر واعتبار. * (دار المقامة) * أي: الدار التي تدوم فيها الإقامة، والدار التي يرغب في المقام فيها، لكثرة خيراتها، وتوالي مسراتها، وزوال كدوراتها. وذلك الإحلال * (من فضله) * علينا، وكرمه، لا بأعمالنا؛ فلولا فضله، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. * (لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب) * أي: لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوى، ولا في كثرة التمتع. وهذا يدل، على أن الله تعالى يجعل أبدانهم، في نشأة كاملة، ويهيىء لهم من أسباب الراحة على الدوام، ما يكونون بهذه الصفة، بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب، ولا هم ولا حزن. ويدل على أنهم لا ينامون في الجنة؛ لأن النوم فائدته، زوال التعب، وحصول الراحة به، وأهل الجنة بخلاف ذلك. ولأنه موت أصغر، وأهل الجنة لا يموتون، جعلنا الله منهم، بمنه وكرمه. * (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور * وهم يصطرخون فيها ربنآ أخرجنا نعمل صالحا غير الذي ك نا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجآءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير) * لما ذكر تعالى حال أهل الجنة ونعيمهم، ذكر حال أهل النار وعذابهم فقال: * (والذين كفروا) * أي: جحدوا ما جاءتهم به رسلهم من الآيات، وأنكروا لقاء ربهم. * (لهم نار جهنم) * يعذبون فيها أشد العذاب، وأبلغ العقاب. * (لا يقضى عليهم) * بالموت * (فيموتوا) * فيستريحوا. * (ولا يخفف عنهم من عذابها) * فشدة العذاب وعظمه، مستمر عليهم في جميع الآناء واللحظات. * (كذلك نجزي كل كفور) * أي: كذلك نجزي به كل متماد في الكفر، مصر عليه * (وهم يصطرخون فيها) * أي: يصرخون ويتصايحون وييستغيثون ويقولون: * (ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) *. فاعترافوا بذنبهم، وعرفوا أن الله عدل فيهم، ولكن سألوا الرجعة في غير وقتها. فقال لهم: * (أو لم نعمركم ما) * أي: دهرا وعمرا * (يتذكر فيه من تذكر) * أي: يتمكن فيه من أراد التذكر من العمل، متعناكم في الدنيا، وأدررنا عليكم الأرزاق، وقيضنا لكم أسباب الراحة، ومددنا لكم في العمر، وتابعنا عليكم الآيات * (وجاءكم النذير) * وواصلنا إليكم النذر، وابتليناكم بالسراء والضراء، لتنيبوا إلينا، وترجعوا إلينا. فلم ينجع فيكم إنذار، ولم تفد فيكم موعظة، وأخرنا عنكم العقوبة، حتى إذا انقضت آجالكم، وتمت أعماركم، ورحلتم عن دار الإمكان، بأشر الحالات، ووصلتم إلى هذه الدار، دار الجزاء على الأعمال، سألتم الرجعة. هيهات هيهات، فات وقت الإمكان، وغضب عليكم الرحيم الرحمن، واشتد عليكم عذاب النار، ونسيكم أهل الجنة، فامكثوا في جهنم، خالدين مخلدين، وفي العذاب مهانين، ولهذا قال: * (فذوقوا فما للظالمين من نصير) * ينصرهم، فيخرجهم منها، أو يخفف عنهم من عذابها. * (إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور) * لما ذكر تعالى جزاء أهل الدارين، وذكر أعمال الفريقين، أخبر عن سعة علمه تعالى، واطلاعه على غيب السماوات والأرض، التي غابت عن أبصار الخلق، وعن علمهم، وأنه عالم بالسرائر، وما تنطوي عليه الصدور، من الخير والشر، والزكاء وغيره، فيعطى كلا ما يستحقه، وينزل كل أحد منزلته. * (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا) * يخبر تعالى عن كمال حكمته، ورحمته بعباده ، أنه قدر بقضائه السابق، أن يجعل بعضهم، يخلف بعضا في الأرض، ويرسل لكل أمة من الأمم النذر، فينظر كيف يعملون؛ فمن كفر بالله، وبما جاءت به رسله، فإن كفره عليه، وعليه إثمه وعقوبته، ولا يحمل عنه أحد، ولا يزداد الكافر بكفره، إلا مقت ربه له، وبغضه إياه. وأي عقوبة، أعظم
(٦٩٠)