تذكرا. وإنما ينتفع بها من يخشى الله تعالى، ويعلم بفكره الصائب، وجه الحكمة فيها. ولهذا قال: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * فكل من كان بالله أعلم، كان أكثر له خشية. وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخشاه. وهذا دليل على فضيلة العلم، فإنه داع إلى خشية الله. وأهل خشيته، هم أهل كرامته كما قال تعالى: * (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) *. * (أن الله عزيز) * كامل العزة، ومن عزته خلق هذه المخلوقات المتضادات. * (غفور) * لذنوب التائبين. * (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور) * * (إن الذين يتلون كتاب الله) * أي: يتبعونه في أوامره، فيمتثلونها، وفي نواهيه، فيتركونها، وفي أخباره، فيصدقونها ويعتقدونها، ولا يقدمون عليه ما خالفه من الأقوال. ويتلون أيضا ألفاظه، بدراسته، ومعانيه، بتتبعها واستخراجها. ثم خص من التلاوة بعدما عمم، الصلاة التي هي عماد الدين، ونور المسلمين، وميزان الإيمان، وعلامة صدق الإسلام، والنفقة على الأقارب والمساكين، واليتامى، وغيرهم، من الزكاة والكفارات، والنذور، والصدقات * (سرا وعلانية) * في جميع الأوقات. * (يرجون) * بذلك * (تجارة لن تبور) * أي: لن تكسد وتفسد. بل تجارة، هي أجل التجارات، وأعلاها، وأفضلها، ألا وهي رضا ربهم، والفوز بجزيل ثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه. وهذا فيه الإخلاص بأعمالهم، وأهم لا يرجون بها، من المقاصد السيئة، والنيات الفاسدة شيئا. وذكر أنهم حصل لهم ما رجوه فقال: * (ليوفيهم أجورهم) * أي: أجور أعمالهم، وعلى حسب قلتها، وكثرتها، وحسنها، وعدمه * (ويزيدهم من فضله) * زيادة عن أجورهم. * (إنه غفور شكور) * غفر لهم السيئات، وقبل منهم القليل من الحسنات. * (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب) * يذكر تعالى أن الكتاب الذي أوحاه إلى رسوله * (هو الحق) * من كثرة ما اشتمل عليه، من الحق، وإحاطته بأصوله، كأن الحق منحصر فيه، فلا يكن في قلوبكم حرج منه، ولا تتبرموا منه، ولا تستهينوا به. فإذا كان هو الحق، لزم أن كل ما دل عليه من المسائل الإلهية والغيبية وغيرها، مطابق لما في الواقع، فلا يجوز أن يراد به، ما يخالف ظاهره، وما دل عليه. * (مصدقا لما بين يديه) * من الكتب والرسل، لأنها أخبرت به، فلما وجد وظهر، ظهر به صدقها. فهي بشرت به وأخبرت، وهو مصدقها، ولهذا لا يمكن أحدا، أن يؤمن بالكتب السابقة، وهو كافر بالقرآن أبدا. لأن كفره به ينقض إيمانه بها، لأن من جملة أخبارها الخبر عن القرآن، ولأن أخبارها مطابقة لأخبار القرآن. * (إن الله بعباده لخبير بصير) * فيعطي كل أمة، وكل شخص، ما هو اللائق بحاله. ومن ذلك، أن الشرائع السابقة، لا تليق إلا بوقتها وزمانها. ولهذا، ما زال الله يرسل الرسل رسولا بعد رسول، حتى ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. فجاء بهذا الشرع، الذي يصلح لمصالح الخلق إلى يوم القيامة ويتكفل بما هو الخير في كل وقت. ولهذا لما كانت هذه الأمة، أكمل عقولا، وأحسنهم أفكارا، وأرقهم قلوبا وأزكاهم أنفسا. اصطفاهم تعالى، واصطفى لهم دين الإسلام، وأورثهم الكتاب المهيمن على سائر الكتب، ولهذا قال: * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) * وهم هذه الأمة. * (فمنهم ظالم لنفسه) * بالمعاصي، التي هي دون الكفر. * (ومنهم مقصد) * مقتصر على ما يجب عليه، تارك للمحرم. * (ومنهم سابق بالخيرات) * أي: سارع فيها واجتهد، فسبق غيره، وهو المؤدي للفرائض، المكثر من النوافل، التارك للمحرم والمكروه. فكلهم اصطفاه الله تعالى، لوراثة هذا الكتاب، وإن تفاوتت مراتبهم، وتميزت أحوالهم. فلكل منهم، قسط من وراثته، حتى الظالم لنفسه، فإنه ما معه من أصل الإيمان، وعلوم الإيمان، وأعمال الإيمان، من وراثة الكتاب. لأن المراد بوراثة الكتاب، وراثة علمه وعمله، ودراسة وألفاظه، واستخراج معانيه. وقوله: * (بإذن الله) * راجع إلى السابق إلى الخيرات، لئلا يغتر بعمله، بل ما سبق إلى الخيرات إلا بتوفيق الله تعالى ومعونته، فينبغي له أن يشتغل بشكر الله تعالى، على ما أنعم به عليه. * (ذلك هو الفضل الكبير) * أي: وراثة الكتاب الجليل، لمن اصطفى تعالى من عباده، هو الفضل الكبير، الذي جميع النعم بالنسبة إليه، كالعدم. فأجل النعم على الإطلاق، وأكبر الفضل، وراثة الكتاب. ثم ذكر جزاء الذين أورثهم الكتاب * (جنات عدن يدخلونها) * أي:
(٦٨٩)