تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٨٨
العذاب. والصلاة تدعو إلى الخير، وتنهى عن الفحشاء والمنكر. * (ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه) * أي: ومن زكى نفسه بالتنقي من العيوب، كالرياء والكبر، والكذب والغش، والمكر والخداع، والنفاق، ونحو ذلك من الأخلاق الرذيلة، وتحلى بالأخلاق الجميلة، من الصدق، والإخلاص، والتواضع، ولين الجانب، والنصح للعباد، وسلامة الصدر، من الحقد والحسد، وغيرهما من مساوىء الأخلاق، فإن تزكيته، يعود نفعها إليه، ويصل مقصودها إليه، ليس يضيع من عمله شيء. * (وإلى الله المصير) * فيجازي الخلائق على ما أسلفوه، ويحاسبهم على ما قدموه وعملوه، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة، إلا أحصاها. * (وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) * يخبر تعالى أنه لا يتساوى الأضداد في حكمة الله، وفيما أودعه في فطر عباده. * (وما يستوي الأعمى) * فاقد البصر * (والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات) *. فكما أنه من المتقرر عندكم، الذي لا يقبل الشك، أن هذه المذكورات لا تتساوى، فكذلك فلتعلموا أن عدم تساوي المتضادات المعنوية، أولى وأولى. فلا يستوي المؤمن والكافر، ولا المهتدي والضال، ولا العالم والجاهل، ولا أصحاب الجنة وأصحاب النار، ولا أحياء القلوب وأمواتها، فإن بين هذه الأشياء من التفاوت والفرق، وما لا يعلمه إلا الله تعالى. فإذا علمت المراتب، وميزت الأشياء، وبان الذي ينبغي أن يتنافس في تحصيله من ضده، فليختر الحازم لنفسه، ما هو أولى به، وأحق بالإيثار. * (إن الله يسمع من يشاء) * سماع فهم وقبول، لأنه تعالى هو الهادي الموفق * (وما أنت بمسمع من في القبور) * أي: أموات القلوب. أو كما أن دعاءك لا يفيد سكان القبور شيئا، كذلك لا يفيد المعرض المعاند شيئا. ولكن وظيفتك النذارة، وإبلاغ ما أرسلت به، قبل منك أم لا. ولهذا قال: * (إن أنت إلا نذير إنا أرسلناك بالحق) * أي: مجرد إرسالنا إياك بالحق، لأن الله تعالى بعثك على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، واندراس من العلم، وضرورة عظيمة إلى بعثك، فبعثك الله رحمة للعالمين. وكذلك ما بعثناك به من الدين القويم. والصراط المستقيم، حق لا باطل. وكذلك ما أرسلناك به، من هذا القرآن العظيم، وما اشتمل عليه من الذكر الحكيم، حق وصدق. * (بشيرا) * لمن أطاعك بثواب الله، العاجل والآجل. * (ونذيرا) * لمن عصاك، بعقاب الله العاجل والآجل، ولست ببدع من الرسل. * (وإن من أمة) * من الأمم الماضية والقرون الخالية * (إلا خلا فيها نذير) * يقيم عليهم حجة الله * (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة) *. * (وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير) * أي وإن يكذبك أيها الرسول، هؤلاء المشركون، فلست أول رسول كذب. * (فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات) * على الحق، وعلى صدقهم، فيما أخبروهم به * (وبالزبر) * أي: الكتب المكتوبة، المجموع فيها كثير من الأحكام. * (والكتاب المنير) * أي: المضيء في أخباره الصادقة، وأحكامه العادلة. فلم يكن تكذيبهم إياهم ناشئا عن اشتباه، أو قصور بما جاءتهم به الرسل، بل بسبب ظلمهم وعنادهم. * (ثم أخذت الذين كفروا) * بأنواع العقوبات * (فكيف كان نكير) * عليهم؟ كان أشد النكير وأعظم التنكيل. فإياكم وتكذيب هذا الرسول الكريم، فيصيبكم كما أصاب أولئك، من العذاب الأليم، والخزي الوخيم. * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور) * يذكر تعالى خلقه للأشياء والمتضادات، التي أصلها واحد، ومادتها واحدة، وفيها من التفاوت والفرق، ما هو مشاهد معروف، ليدل العباد، على كمال قدرته، وبديع حكمته. فمن ذلك: أن الله تعالى أنزل من السماء ماء، فأخرج به من الثمرات المختلفات، والنباتات المتنوعات، ما هو مشاهد للناظرين، والماء واحد، والأرض واحدة. ومن ذلك: الجبال التي جعلها الله أوتادا للأرض، تجدها جبالا مشتبكة، بل جبلا واحدا. وفيها ألوان متعددة، فيها جدد بيض أي: طرائق بيض، وفيها طرائق صفر وحمر، وفيها غرابيب سود أي: شديدة السواد جدا. ومن ذلك: الناس والدواب، والأنعام، فيها من اختلاف الألوان والأوصاف، والأصوات، والهيئات، ما هو مرئي بالأبصار، مشهود للنظار، والكل من أصل واحد ومادة واحدة. فتفاوتها دليل عقلي على مشيئة الله تعالى، التي خصصت ما خصصت منها، بلونه، ووصفه، وقدرة الله تعالى حيث أوجدها كذلك، وحكمته ورحمته، حيث كان ذلك الاختلاف، وذلك التفاوت، فيه من المصالح والمنافع، ومعرفة الطرق، ومعرفة الناس بعضهم بعضا، ما هو معلوم. وذلك أيضا، دليل على سعة علم الله تعالى، وأنه يبعث من في القبور. ولكن الغافل، ينظر في هذه الأشياء وغيرها، نظر غفلة، لا تحدث له
(٦٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 683 684 685 686 687 688 689 690 691 692 693 ... » »»