أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) * لما ذكر تعالى، أن معاد المستعجلين بالعذاب، لا بد من وقوعه عند حلول أجله؛ ذكر هنا، حالهم في ذلك اليوم، وأنك لو رأيت حالهم، إذ وقفوا عند ربهم، واجتمع الرؤساء والأتباع في الكفر والضلال، لرأيت أمرا عظيما وهولا جسيما. ورأيت كيف يتراجعون، ويرجع بعضهم إلى بعض القول. * (يقول الذين استضعفوا) * وهم الأتباع * (للذين استكبروا) * وهم القادة. * (لولا أنتم لكنا مؤمنين) * ولكنكم حلتم بيننا وبين الإيمان، وزينتم لنا الكفران، فتبعناكم على ذلك. ومقصودهم بذلك، أن يكون العذاب على الرؤساء، دونهم. * (وقال الذين استكبروا للذين استضعفوا) * مستفهمين لهم ومخبرين أن الجميع مشتركون في الجزم: * (أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم) * أي: بقوتنا وقهرنا إياكم. * (بل كنتم مجرمين) * أي: مختارين للإجرام، لستم مقهورين عليه، وإن كنا قد زينا لكم، فما كان لنا عليكم من سلطان. * (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذا تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا) * أي: بل الذي دهانا منكم، ووصل إلينا من إضلالكم، ما دبرتموه من المكر، في الليل والنهار، إذ تحسنون لنا الكفر، وتدعوننا إليه، وتقولون: إنه الحق، وتقدحون في الحق، وتهجنونه، وتزعمون أنه الباطل. فما زال مكركم بنا، وكيدكم إيانا، حتى أغويتمونا وفتنتمونا. فلم تفد تلك المراجعة بينهم شيئا إلا براءة بعضهم من بعض، والندامة العظيمة، ولهذا قال: * (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) * أي: زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم، لينجو من العذاب، وعلم أنه ظالم مستحق له. فندم كل منهم غاية الندم، وتمنى أن لو كان على الحق، وأنه ترك الباطل الذي أوصله إلى هذا العذاب، سرا في أنفسهم، لخوفهم من الفضيحة في إقرارهم على أنفسهم. وفي بعض مواقف القيامة، وعند دخولهم النار يظهرون ذلك الندم جهرا. * (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) * (الآيات) * (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير) *. * (وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا) * يغلون كما يغل المسجون، الذي سيهان في سجنه كما قال تعالى: * (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون) * (الآيات) * (هل يجزون) * في هذا العذاب والنكال، وتلك الأغلال الثقال * (إلا ما كانوا يعملون) * من الكفر والفسوق والعصيان. * (ومآ أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوهآ إنا بما أرسلتم به كافرون * وقالوا نحن أكث ر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين * قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ول كن أكثر الناس لا يعلمون * ومآ أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأول ئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون * والذين يسعون في آياتنا معاجزين أول ئك في العذاب محضرون * قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ومآ أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) * يخبر تعالى عن حالة الأمم الماضية المكذبة للرسل، أنها كحال هؤلاء الحاضرين المكذبين لرسولهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الله إذا أرسل رسولا في قرية من القرى، كفر به مترفوها، وأبطرتهم نعمتهم، وفخروا بها. * (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا) * أي: ممن اتبع الحق * (وما نحن بمعذبين) * أي: أولا، لسنا بمبعوثين، فإن بعثنا، فالذي أعطانا الأموال والأولاد في الدنيا، سيعطينا أكثر من ذلك في الآخرة ولا يعذبنا. فأجابهم الله تعالى، بأن بسط الرزق وتضييقه، ليس دليلا على ما زعمتم. فإن الرزق تحت مشيئة الله، إن شاء بسطه لعبده، وإن شاء ضيقه. * (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم) * (إلى الله) * (زلفى) * وتدني إليه. وإنما الذي يقرب منه زلفى، الإيمان بما جاء به المرسلون، والعمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان، فإن أولئك، لهم الجزاء عند الله تعالى مضاعفا الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، لا يعلمها إلا الله. * (وهم في الغرفات آمنون) * أي: في المنازل العاليات المرتفعات جدا، ساكنين فيها، مطمئنين، آمنين من المكدرات والمنغصات، لما فيه من اللذات وأنواع المشتهيات، وآمنين من الخروج منها، أو الحزن فيها. * (والذين يسعون في آياتنا معجزين) * أي: على وجه التعجيز لنا، ولرسلنا، والتكذيب. * (أولئك في العذاب محضرون) * تحضرهم الزبانية فلا يجديهم ما عولوا عليه نفعا. ثم أعاد تعالى أنه * (يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) * ليرتب عليه قوله: * (وما أنفقتم من شيء) * نفقة واجبة، أو مستحبة، على قريب، أو جار، أو مسكين، أو يتيم، أو غير ذلك. * (فهو) * تعالى * (يخلفه) * فلا تتوهموا أن الإنفاق مما ينقص الرزق، بل وعد بالخلف للمنفق، الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر * (وهو خير الرازقين) * فاطلبوا الرزق منه، واسعوا في الأسباب التي أمركم بها. * (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أه ؤلاء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أك ثرهم بهم مؤمنون * فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) * * (ويوم يحشرهم جميعا) * أي: العابدين لغير الله
(٦٨١)