تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٠١
* (ولهم عذاب واصب) * أي: دائم، معد لهم، لتمردهم عن طاعة ربهم. ولولا أنه تعالى استثنى، لكان ذلك دليلا على أنهم لا يستمعون شيئا أصلا، ولكن قال: * (إلا من خطف الخطفة) * أي: إلا من تلقف من الشياطين المردة، الكلمة الواحدة على وجه الخفية والسرقة * (فأتبعه شهاب ثاقب) * تارة، يدركه قبل أن يوصلها إلى أوليائه، فينقطع خبر السماء. وتارة يخبر بها، قبل أن يدركه الشهاب، فيكذبون معها مائة كذبة، يروجونها بسبب الكلمة، التي سمعت من السماء. ولما بين هذه المخلوقات العظيمة قال: * (فاستفتم) * أي: اسأل منكري خلقهم بعد موتهم. * (أهم أشد خلقا) * أي: إيجادهم بعد موتهم، أشد خلقا وأشق؟ * (أم من خلقنا) * من هذه المخلوقات؟ فلا بد أن يقروا أن خلق السماوات والأرض، أكبر من خلق الناس. فيلزمهم إذا الإقرار بالبعث، بل لو رجعوا إلى أنفسهم، وفكروا فيها، لعلموا أن ابتداء خلقهم من طين لازب، أصعب عند الفكر من إنشائهم بعد موتهم، ولهذا قال: * (إنا خلقناهم من طين لازب) * أي: قوي شديد كقوله تعالى: * (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون) *. * (بل عجبت ويسخرون * وإذا ذكروا لا يذكرون * وإذا رأوا آية يستسخرون * وقالوا إن ه ذآ إلا سحر مبين * أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون * أو آباؤنا الأولون * قل نعم وأنتم داخرون * فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون * وقالوا يويلنا ه ذا يوم الدين * ه ذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون) * * (بل عجبت) * أيها الرسول، أو أيها الإنسان، من تكذيب من كذب بالبعث، بعد أن أريتهم من الآيات العظيمة، والأدلة المستقيمة. وهو حقيقة، محل عجب واستغراب؛ لأنه مما لا يقبل الإنكار. * (و) * أعجب من إنكارهم وأبلغ منه، أنهم * (يسخرون) * ممن جاء بالخبر عن البعث. فلم يكفهم مجرد الإنكار، حتى زادوا السخرية بالقول الحق. * (و) * من العجب أيضا أنهم * (إذا ذكروا) * ما يعرفون في فطرهم وعقولهم، وفطنوا له، ولفت نظرهم إليه * (لا يذكرون) * ذلك. فإن كان جهلا، فهو من أدل الدلائل على شدة بلادتهم العظيمة، حيث ذكروا ما هو مستقر في الفطرة، معلوم بالعقل، لا يقبل الإشكال. وإن كان تجاهلا وعنادا، فهو أعجب وأغرب. ومن العجب أيضا، أنهم إذا أقيمت عليهم الأدلة، وذكروا الآيات التي يخضع لها فحول الرجال، وألباب الألباء، يسخرون منها ويعجبون. ومن العجب أيضا، قولهم للحق لما جاءهم: * (إن هذا إلا سحر مبين) *. فجعلوا أعلى الأشياء، وأجلها، وهو الحق، في رتبة أخس الأشياء وأحقرها. ومن العجب أيضا، قياسهم قدرة رب الأرض والسماوات، وعلى قدرة الآدمي الناقص من جميع الوجوه، فقالوا استبعادا وإنكارا: * (أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون * أو آباؤنا الأولون) *. ولما كان هذا منتهى ما عندهم، وغاية ما لديهم، أمر الله رسوله أن يجيبهم بجواب مشتمل على ترهيبهم فقال: * (قل نعم) * ستبعثون، أنتم وآباؤكم الأولون * (وأنتم داخرون) * ذليلون صاغرون، لا تمتنعون، ولا تستعصون على قدرة الله. * (فإنما هي زجرة واحدة) * ينفخ إسرافيل فيها في الصور * (فإذا هم) * مبعوثون من قبورهم * (ينظرون) * كما ابتدىء خلقهم، بعثوا بجميع أجزائهم، حفاء عراة غرلا. وفي تلك الحال، يظهرون الندم، والخزي، والخسار، ويدعون بالويل والثبور. * (وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين) * (أي: هذا يوم الحساب والجزاء عل الأعمال) فقد أقروا بما كانوا في الدنيا به يهزؤون. فيقال لهم: * (هذا يوم الفصل) * بين العباد فيما بينهم، وبين ربهم من الحقوق، وفيما بينهم وبين غيرهم من الخلق. * (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون * من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم * وقفوهم إنهم مسؤولون * ما لكم لا تناصرون * بل هم اليوم مستسلمون) * أي: إذا حضروا يوم القيامة، وعاينوا ما به يكذبون، ورأوا ما به يستسخرون، يؤمر بهم إلى النار، التي بها كانوا يكذبون، فيقال: * (احشروا الذي ظلموا) * أنفسهم بالكفر والشرك، والمعاصي * (وأزواجهم) * الذين من جنس عملهم، كل يضم إلى من يجانسه في العمل. * (وما كانوا يعبدون من دون الله) * من الأصنام والأنداد. التي زعموها. اجمعوهم جميعا * (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) * أي: سوقوهم سوقا عنيفا إلى جهنم. * (و) * بعدما يتعين أمرهم إلى النار، ويعرفون أنهم من أهل
(٧٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 696 697 698 699 700 701 702 703 704 705 706 ... » »»