تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٨٥
وعد الله) * بالبعث، والجزاء على الأعمال * (حق) * أي: لا شك فيه، ولا مرية، ولا تردد، قد دلت على ذلك الأدلة السمعية، والبراهين العقلية. فإذا كان وعده حقا، فتهيئوا له وبادروا أوقاتكم الشريفة. بالأعمال الصالحة، ولا يقطعكم عن ذلك قاطع. * (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) * بلذاتها وشهواتها، ومطالبها النفسية، فتليهكم عما خلقتم له. * (ولا يغرنكم بالله الغرور) * (الذي هو) * (الشيطان) * (وهو) * (لكم عدو) * في الحقيقة * (فاتخذوه عدوا) * أي: لتكن منكم عداوته، ولا تهملوا محاربته كل وقت، فإنه يراكم، وأنتم لا ترونه، وهو دائما لكم بالمرصاد. * (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) * هذا غايته ومقصود ممن تبعه، أن يهان غاية الإهانة، بالعذاب الشديد. ثم ذكر أن الناس، انقسموا بحسب طاعة الشيطان وعدمها، إلى قسمين، وذكر جزاء كل منهما فقال: * (الذين كفروا) * أي: جحدوا ما جاءت به الرسل، ودلت عليه الكتب * (لهم عذاب شديد) * في نار جهنم، شديد في ذاته، ووصفه، وأنهم خالدون فيها أبدا. * (والذين آمنوا) * بقلوبهم، بما دعا الله إلى الإيمان به * (وعملوا) * بمقتضى ذلك الإيمان، بجوارحهم، الأعمال * (الصالحات لهم مغفرة) * لذنوبهم، ويزول بها عنهم الشر والمكروه * (وأجر كبير) * يحصل به المطلوب. * (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) * يقول تعالى: * (أفمن زين له سوء عمله) * القبيح، زينه له الشيطان، وحسنه في عينه، * (فرآه حسنا) * أي: كمن هداه الله إلى الصراط المستقيم، والدين القويم، فهل يستوي هذا وهذا؟ فالأول: عمل السئ، ورأى الحق باطلا، والباطل حقا. والثاني: عمل الحسن، ورأى الحق حقا، والباطل باطلا. ولكن الهداية والإضلال بيد الله تعالى. * (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم) * أي: على الضالين الذين زين لهم سوء أعمالهم، وصدقهم الشيطان عن الحق * (حسرات) * أي: فلا تهلك نفسك حزنا على الضالين وحسرة عليهم. فليس عليك إلا البلاغ، وليس عليك من هداهم من شيء، والله هو الذي يجازيهم بأعمالهم * (إن الله عليم بما يصنعون) * فيجازيهم عليها. * (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور) * يخبر تعالى عن كمال اقتداره، وسعة جوده، وأنه الذي * (أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت) * فأنزله الله عليها * (فأحيينا به الأرض بعد موتها) *. فحييت البلاد والعباد، وارتزقت الحيوانات، ورتعت في تلك الخيرات. * (كذلك) * الذي أحيا الأرض بعد موتها، ينشر الأموات من قبورهم، بعدما مزقهم البلاء، فيسوق إليهم مطرا، كما ساقه إلى الأرض الميتة، فينزله عليهم فتحيا الأجساد والأرواح من القبور، ويكون * (النشور) * فيأتون للقيام بين يدي الله ليحكم بينهم، ويفصل بحكمه العدل. * (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور) * أي: يا من يريد العزة، اطلبها ممن هي بيده، فإن العزة بيد الله، ولا تنال إلا بطاعته. وقد ذكرها بقوله: * (إليه يصعد الكلم الطيب) * من قراءة، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وكل كلام حسن طيب، فيرفع إلى الله، ويعرض عليه، ويثني الله على صاحبه، بين الملأ الأعلى، * (والعمل الصالح) * من أعمال القلوب وأعمال الجوارح * (يرفعه) * الله تعالى إليه أيضا، كالكلم الطيب. وقيل: العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة، فهي التي ترفع كلمه الطيب. فإذا لم يكن له عمل صالح، لم يرفع له قول إلى الله تعالى. فهذه الأعمال التي ترفع إلى الله تعالى، ويرفع الله صاحبها ويعزه. وأما السيئات، فإنها بالعكس، يريد صاحبها الرفعة بها، ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه، ولا يزداد إلا هوانا، ونزولا، ولهذا قال: * (والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد) * يهانون فيه غاية الإهانة. * (ومكر أولئك هو يبور) * أي: يهلك ويضمحل، ولا يفيدهم شيئا، لأنه مكر بالباطل، لأجل الباطل. * (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير) * يذكر تعالى خلقه الآدمي، وتنقله في هذه الأوطار، من تراب إلى نطفة وما بعدها. * (ثم جعلكم أزواجا) * أي: لم يزل ينقلكم، طورا بعد طور، حتى أوصلكم إلى أن كنتم أزواجا، ذكر يتزوج أنثى، ويراد بالزواج، الذرية والأولاد. فهو وإن كان النكاح من الأسباب فيه، فإنه مقترن بقضاء الله وقدره وعلمه. * (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) * وكذلك أطوار الآدمي، كلها، بعلمه وقضائه.
(٦٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 680 681 682 683 684 685 686 687 688 689 690 ... » »»