* (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره) * أي: عمر الذي كان معمرا عمرا طويلا * (الآ) * بعلمه تعالى. أو ما ينقص من عمر الإنسان الذي هو بصدد أن يصل إليه، لولا ما سلكه من أسباب قصر العمر، كالزنا، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، ونحو ذلك، مما ذكر أنها من أسباب قصر العمر. والمعنى: أن طول العمر وقصره، بسبب، وبغير سبب، كله بعلمه تعالى، وقد أثبت ذلك * (في كتاب) * حوى ما يجري على العبد، في جميع أوقاته، وأيام حياته. * (ان ذلك على الله يسير) * أي: إحاطة علمه بتلك المعلومات الكثيرة، وإحاطة كتابه بها. فهذه ثلاثة أدلة، من أدلة البعث والنشور، كلها عقلية، نبه الله عليها في هذه الآيات: إحياء الأرض بعد موتها، وأن الذي أحياها سيحيي الموتى، وتنقل الآدمي في تلك الأطوار. فالذي أوجده ونقله، طبقا بعد طبق، وحالا بعد حال، حتى بلغ ما قدر له، فهو على إعادته وإنشائه النشأة الأخرى أقدر، وهو أهون عليه، وإحاطة علمه بجميع أجزاء العالم، والعلوي، والسفلي، دقيقها، وجليلها، الذي في القلوب، والأجنة التي في البطون، وزيادة الأعمار ونقصها، وإثبات ذلك كله في كتاب. فالذي كان هذا يسيرا عليه، فإعادته للأموات، أيسر وأيسر. فتبارك من كثر خيره، ونبه عباده على ما فيه صلاحهم، في معاشهم، ومعادهم. * (وما يستوي البحران ه ذا عذب فرات سآئغ شرابه وه ذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون * يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعآءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرك كم ولا ينبئك مثل خبير) * هذا إخبار عن قدرته، وتوالي حكمته، ورحمته أنه جعل البحرين لمصالح العالم الأرضي كلهم، وأنه لم يسو بينهما، لأن المصلحة تقتضي أن تكون الأنهار، عذبة فراتا، سائغا شرابها، لينتفع بها الشاربون، والغارسون، والزارعون. وأن يكون البحر، ملحا أجاجا، لئلا يفسد الهواء المحيط بالأرض، بروائح ما يموت في البحر، من الحيوانات، ولأنه ساكن لا يجري، فملوحته تمنعه من التغير، ولتكون حيواناته، أحسن وألذ، ولهذا قال: * (ومن كل) * من البحر الملح والعذب * (تأكلون لحما طريا) * وهو السمك المتيسر صيده في البحر. * (وتستخرجون حلية تلبسونها) * من لؤلؤ، ومرجان، وغيره، مما يوجد في البحر. فهذه مصالح عظيمة للعباد. ومن المصالح أيضا والمنافع في البحر، أن سخره الله تعالى لحمل الفلك، من السفن، والمراكب، فتراها تمخر البحر وتشقه، فتسلك من إقليم إلى إقليم آخر، ومن محل إلى محل، فتحمل السائرين وأثقالهم، وتجاراتهم، فيحصل بذلك من فضل الله وإحسانه. شيء كثير، ولهذا قال: * (ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) * على النعم المتقدم ذكرها. ومن ذلك أيضا إيلاجه تعالى الليل بالنهار، والنهار بالليل، يدخل هذا على هذا، كما أتى أحدهما، ذهب الآخر، ويزيد أحدهما، وينقص الآخر، ويتساويان فيقوم بذلك، ما يقوم من مصالح العباد في أبدانهم، وحيواناتهم وأشجارهم، وزروعهم. وكذلك ما جعل الله في تسخير الشمس والقمر، من مصالح الضياء والنور والحركة والسكون. وانتشار العباد في طلب فضله، وما فيها من إنضاج الثمار وتجفيف ما يجفف، وغير ذلك، مما هو من الضروريات، التي لو فقدت للحق الناس الضرر. وقوله: * (كل يجري لأجل مسمى) * أي: كل من الشمس والقمر، يسيران في فلكهما، ما شاء الله أن يسيرا. فإذا جاء الأجل، وقرب انقضاء الدنيا، انقطع سيرهما، وتعطل سلطانهما وخسف القمر، وكورت الشمس، وانتثرت النجوم. فلما بين تعالى: ما بين من هذه المخلوقات العظيمة، وما فيها من العبر الدالة على كماله وإحسانه، قال: * (ذلكم الله ربكم له الملك) * أي: الذي انفرد بخلق هذه المذكورات وتسخيرها، هو الرب المألوه المعبود، الذي له الملك كله. * (والذين تدعون من دونه) * من الأوثان والأصنام * (ما يملكون من قطمير) * أي: لا يملكون شيئا، لا قليلا، ولا كثيرا؛ حتى ولا القطمير الذي هو أحقر الأشياء. وهذا من تنصص النفي وعمومه، فكيف يدعون، وهم غير مالكين لشيء، من ملك السماوات والأرض؟
(٦٨٦)