تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٨٠
ولا حياة، ولا نشورا. بل هي جمادات، لا تعقل، ولا تسمع دعاء عابديها، ولو سمعته، ما استجابت لهم. ويوم القيامة يكفرون بشركهم، ويتبرأون منهم، ويتلاعنون بينهم. ليس لهم قسط من الملك، ولا شركة فيه، ولا لهم شفاعة يستقلون بها دون الله. فهو يدعو، من هذا وصفه، ويتقرب إليه مهما أمكنه، ويعادي من أخلص الدين لله، ويحاربه، ويكذب رسل الله، الذين جاءوا بالإخلاص لله وحده. تبين لك أي الفريقين، المهتدي من الضال، والشقي من السعيد؟ ولم يحتج إلى أن يعين لك ذلك، لأن وصف الحال، أوضح من لسان المقال. * (قل) * لهم * (لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) * أي: كل منا ومنكم، له عمله. أنتم لا تسألون عن إجرامنا وذنوبنا لو أذنبنا، ونحن لا نسأل عن أعمالكم. فليكن المقصود منا ومنكم، طلب الحق، وسلوك طريق الإنصاف. ودعوا ما كنا نعمل، ولا يكن مانعا لكم من اتباع الحق. فإن أحكام الدنيا، تجري على الظواهر، ويتبع فيها الحق، ويجتنب الباطل. وأما الأعمال، فلها دار أخرى، يحكم فيها أحكم الحاكمين، ويفصل بين المختصمين، أعدل العادلين. ولهذا قال: * (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا) * أي: يحكم بيننا حكما، يتبين به الصادق من الكاذب، والمستحق للثواب، من المستحق للعقاب * (وهو الفتاح) * أي: الحاكم في القضايا المنغلقة * (العليم) * بما ينبغي أن يقضى به. * (قل) * لهم يا أيها الرسول، ومن ناب منابك: * (أروني الذين ألحقتم به شركاء) * أي: أين هم؟ وأين السبيل إلى معرفتهم؟ وهل هم في الأرض، أم في السماء؟ فإن عالم الغيب والشهادة قد أخبرنا أنه ليس في الوجود له شريك. * (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم) * الآية * (وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) *. وكذلك خواص خلقه، من الأنبياء والمرسلين، لا يعلمون له شريكا. فيا أيها المشركون أروني الذين ألحقتم بزعمكم الباطل * (به) * أي: بالله * (شركاء) *. وهذا السؤال لا يمكنهم الإجابة عنه، ولهذا قال: * (كلا) * أي: ليس لله شريك، ولا ند، ولا ضد. * (بل هو الله) * الذي لا يستحق التأله والتعبد، إلا هو. * (العزيز) * الذي قهر كل شيء فكل ما سواه، فهو مقهور له، مسخر مدبر. * (الحكيم) * الذي أتقن ما خلقه، وأحسن ما شرعه. ولو لم يكن في حكمته في شرعه إلا أنه أمر بتوحيده، وإخلاص الدين له، وأحب ذلك، وجعله طريقا للنجاة، ونهى عن الشرك به، واتخاذ الأنداد من دونه، وجعل ذلك طريقا للشقاء والهلاك، لكفى بذلك برهانا على كمال حكمته. فكيف، وجميع ما أمر به ونهى عنه، مشتمل على الحكمة؟ * (ومآ أرسلناك إلا كآفة للناس بشيرا ونذيرا ول كن أكثر الناس لا يعلمون * ويقولون متى ه ذا الوعد إن كنتم صادقين * قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون) * يخبر تعالى، أنه ما أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم، إلا ليبشر جميع الناس بثواب الله، ويخبرهم بالأعمال الموجبة لذلك. وينذرهم عقاب الله، ويخبرهم بالأعمال الموجبة له، فليس لك من الأمر شيء. وكل ما اقترح عليك أهل التكذيب والعناد، فليس من وظيفتك، إنما ذلك بيد الله تعالى. * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * أي: ليس لهم علم صحيح، بل إما جهال، أو معاندون لم يعملوا بعلمهم، فكأنهم لا علم لهم. ومن عدم علمهم، جعلهم عدم الإجابة لما اقترحوه على الرسول، موجبا لرد دعوته. فمما اقترحوه، استعجالهم العذاب، الذي أنذرهم به فقال: * (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) * وهذا ظلم منهم. فأي ملازمة بين صدقه ، وبين الإخبار بوقت وقوعه؟ وهل هذا إلا رد للحق، وسفه في العقل؟ أليس النذير في أمر من أحوال الدنيا، لو جاء قوما، يعلمون صدقه ونصحه، ولهم عدو ينتهز الفرصة منهم ويعد لهم، فقال لهم: تركت عدوكم قد سار، يريد اجتياحكم واستئصالكم. فلو قال بعضهم: إن كنت صادقا، فأخبرنا بأية ساعة يصل إلينا، وأين مكانه الآن؟ فهل يعد هذا القائل عاقلا، أم يحكم بسفهه وجنونه؟ هذا، والمخبر يمكن صدقه وكذبه، والعدو قد يبدو له غيرهم، وقد تنحل عزيمته. وهم قد يكون بهم منعة، يدافعون بها عن أنفسهم. فكيف بمن كذب أصدق الخلق، المعصوم في خبره، الذي لا ينطق عن الهوى، بالعذاب اليقين، الذي لا مدفع له، ولا ناصر منه؟ أليس رد خبره، بحجة عدم بيان وقت وقوعه، من أسفه السفه؟ * (قل) * لهم مخبرا بوقت وقوعه، الذي لا شك فيه: * (لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون) * فاحذروا ذلك اليوم، وأعدوا له عدته. * (وقال الذين كفروا لن نؤمن به ذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين * قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننآ أن نكفر بالله ونجعل له
(٦٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 675 676 677 678 679 680 681 682 683 684 685 ... » »»