تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٧٤
تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة، والسماوات والأرض والجبال، عرض تخيير لا تحتيم، وأنك إن قمت بها وأديتها على وجهها، فلك الثواب، وإن لم تقومي بها، ولم تؤديها، فعليك العقاب. * (فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) * أي خوفا أن لا يقمن بما حملن، لا عصيانا لربهن، ولا زهدا في ثوابه. وعرضها الله على الإنسان، على ذلك الشرط المذكور، فقبلها، وحملها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل. فانقسم الناس بحسب قيامهم بها وعدمه إلى ثلاثة أقسام: منافقون: قاموا بها ظاهرا لا باطنا، ومشركون: تركوها ظاهرا وباطنا، ومؤمنون: قائمون بها ظاهرا وباطنا. ومؤمنون، قائمون بها ظاهرا وباطنا. فذكر الله تعالى أعمال هؤلاء الأقسام الثلاثة، وما لهم من الثواب والعقاب فقال: * (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما) *. فله تعالى الحمد، حيث ختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين، الدالين على تمام مغفرة الله، وسعة رحمته، وعموم جوده. مع أن المحكوم عليهم، كثير منهم، لم يستحق المغفرة والرحمة، لنفاقه وشركه. تم تفسير سورة الأحزاب. سورة سبأ * (الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور) * الحمد: الثناء بالصفات الحميدة، والأفعال الحسنة، فلله تعالى الحمد، لأن جميع صفاته، يحمد عليها، لكونها صفات كمال، وأفعاله، يحمد عليها، لأنها دائرة بين الفضل الذي يحمد عليه ويشكر، والحمد الذي يحمد عليه ويعترف بحكمته فيه. وحمد نفسه هنا، على أن * (له ما في السماوات وما في الأرض) * ملكا وعبيدا، يتصرف فيهم بحمده. * (وله الحمد في الآخرة) * لأن في الآخرة، يظهر من حمده، والثناء عليه، ما لا يكون في الدنيا. فإذا قضى الله تعالى بين الخلائق كلهم، ورأى الناس والخلق كلهم، ما حكم به، وكمال عدله وقسطه، وحكمته فيه، حمدوه كلهم على ذلك. حتى أهل العقاب ما دخلوا النار، إلا وقلوبهم ممتلئة من حمده، وأن عذابهم من جراء أعمالهم، وأنه عادل في حكمه بعقابهم. وأما ظهور حمده في دار النعيم والثواب، فذلك شيء، قد تواردت وتواترت به الأخبار، وتوافق عليه الدليل السمعي والعقلي. فإنهم في الجنة، يرون من توالي نعم الله، وإدرار خيره، وكثرة بركاته، وسعة عطاياه، التي لا يبقى في قلوب أهل الجنة أمنية، ولا إرادة، إلا وقد أعطى منها كل واحد منهم، فوق ما تمنى وأراد. بل يعطون من الخير ما لم تتعلق به أمانيهم، ولا يخطر بقلوبهم. فما ظنك بحمدهم لربهم في هذه الحال، مع أن في الجنة، تضمحل العوارض والقواطع، التي تقطع عن معرفة الله، ومحبته، والثناء عليه، ويكون ذلك أحب إلى أهلها من كل نعيم، وألذ عليهم من كل لذة. ولهذا إذا رأوا الله تعالى، وسمعوا كلامه عند خطابه لهم، أذهلهم ذلك عن كل نعيم، ويكون الذكر لهم في الجنة كالنفس، متواصلا في جميع الأوقات. هذا إذا أضفت ذلك إلى أنه يظهر لأهل الجنة، في الجنة، كل وقت، من عظمة ربهم، وجلاله، وجماله، وسعة كماله، ما يوجب لهم كمال الحمد، والثناء عليه. * (وهو الحكيم) * في ملكه وتدبيره، الحكيم في أمره ونهيه. * (الخبير) * المطلع على سرائر الأمور وخفاياها. ولهذا فصل علمه بقوله: * (يعلم ما يلج في الأرض) * أي: من مطر، وبذر، وحيوان * (وما يخرج منها) * من أنواع النباتات، وأصناف الحيوانات * (وما ينزل من السماء) * من الأملاك والأرزاق، والأقدار * (وما يعرج فيها) * من الملائكة والأرواح وغير ذلك. ولما ذكر مخلوقاته وحكمته فيها، وعلمه بأحوالها، ذكر مغفرته ورحمته لها، فقال: * (وهو الرحيم الغفور) * أي: الذي، الرحمة والمغفرة وصفه، ولم تزل آثارهما تنزل على العباد كل وقت بحسب ما قاموا به من مقتضياتهما. * (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين * ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أول ئك لهم مغفرة ورزق كريم * والذين سعوا في آياتنا معاجزين أول ئك لهم عذاب من رجز أليم) * لما بين تعالى، عظمته، بما وصف به نفسه، وكان هذا موجبا لتعظيمه وتقديسه، والإيمان به، ذكر أن من أصناف الناس، طائفة لم تقدر ربها حق قدره، ولم تعظمه حق عظمته، بل كفروا به، وأنكروا قدرته على إعادة الأموات، وقيام الساعة، وعارضوا بذلك رسله، فقال: * (وقال الذين كفروا) * أي: بالله وبرسله، وبما جاءوا به. فقالوا بسبب كفرهم: * (لا تأتينا الساعة) * أي: ما هي، إلا هذه الحياة الدنيا، نموت ونحيا.
(٦٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 669 670 671 672 673 674 675 676 677 678 679 ... » »»