تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٨٢
والمعبودين من دونه، من الملائكة. * (ثم يقول) * الله * (للملائكة) * على وجه التوبيخ لمن عبدهم. * (أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) * فتبرأوا من عبادتهم. و * (قالوا سبحانك) * أي: تنزيها لك وتقديسا، أن يكون لك شريك، أو ند * (أنت ولينا من دونهم) * أي: أنت الذي نواليه من دونهم، لا موالاة بيننا وبينهم. فنحن مفتقرون إلى ولايتك، مضطرون إليها، فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا؟ أم كيف نصلح لأن نتخذ من دونك أولياء وشركاء؟ * (بل) * هؤلاء المشركون * (كانوا يعبدون الجن) * أي: الشياطين، يأمرونهم بعبادتنا أو عبادة غيرنا، فيطيعونهم بذلك. وطاعتهم، هي عبادتهم؛ لأن العبادة الطاعة، كما قال تعالى مخاطبا لكل من اتخذ معه آلهة * (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تبعدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) *. * (أكثرهم بهم مؤمنون) * أي: مصدقون للجن، منقادون لهم؛ لأن الإيمان هو: التصديق الموجب للانقياد. فلما تبرأوا منهم، قال تعالى مخاطبا لهم: * (فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا) * تقطعت بينكم الأسباب، وانقطع بعضكم من بعض. * (ونقول للذين ظلموا) * بالكفر والمعاصي بعدما ندخلهم النار * (ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) * فاليوم عاينتموها، ودخلتموها جزاء لتكذيبكم، وعقوبة لما أحدثه ذلك التكذيب، من عدم الهرب من أسبابها. * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما ه ذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما ه ذآ إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن ه ذآ إلا سحر مبين * ومآ آتيناهم من كتب يدرسونها ومآ أرسلنا إليهم قبلك من نذير * وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير) * يخبر تعالى عن حالة المشركين، عندما تتلى عليهم آيات الله البينات، وحججه الظاهرات، وبراهينه القاطعات، الدالة على كل خير، الناهية عن كل شر، التي هي أعظم نعمة جاءتهم، ومنة وصلت إليهم، الموجبة لمقابلتها بالإيمان والتصديق، والانقياد، والتسليم، أنهم يقابلونها بضد ما ينبغي، ويكذبون من جاءهم بها ويقولون: * (ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم) * أي: هذا قصده، حين يأمركم بالإخلاص لله، لتتركوا عوائد آبائكم الذين تعظمونهم وتمشون خلفهم. فردوا الحق، بقوة الضالين، ولم يوردوا برهانا، ولا شبهة. فأي شبهة إذا أمرت الرسل بعض الضالين، باتباع الحق، فادعوا أن إخوانهم الذين على طريقتهم لم يزالوا عليه؟ وهذه السفاهة، ورد الحق، بأقوال الضالين، إذا تأملت كل حق رد، فإذا هذا مآله، لا يرد إلا بأقوال الضالين من المشركين، والدهريين، والفلاسفة، والصابئين، والملحدين في دين الله، المارقين، فهم أسوة كل من رد الحق إلى يوم القيامة. ولما احتجوا بفعل آبائهم، وجعلوها دافعة لما جاءت به الرسل، طعنوا بعد هذا، بالحق. * (وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى) * أي: كذب افتراه هذا الرجل، الذي جاء به. * (وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين) * أي: سحر ظاهر لكل أحد، تكذيبا بالحق، وترويجا على السفهاء. ولما بين ما ردوا به الحق، وأنها أقوال دون مرتبة الشبهة، فضلا عن أن تكون حجة، ذكر أنهم وإن أراد أحد أن يتج لهم، فإنهم لا مستند لهم، ولا لهم شيء يعتمد عليه أصلا، فقال: * (وما آتيناهم من كتب يدرسونها) * حتى تكون عمدة لهم * (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) * حتى يكون عندهم من أقواله وأحواله، ما يدفعون به، ما جئتهم به. فليس عندهم علم، ولا أثارة من علم. ثم خوفهم ما فعل بالأمم المكذبين قبلهم فقال: * (وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا) * أي: ما بلغ هؤلاء المخاطبون * (معشار ما آتيناهم) * أي: الأمم الذين من قبلهم. * (فكذبوا رسلي فكيف كان نكير) * أي: إنكاري عليهم، وعقوبتي إياهم. وقد أعلمنا ما فعل بهم من النكال، وأن منهم من أغرقه، ومنهم من أهلكه بالريح العقيم، وبالصيحة، وبالرجفة، وبالخسف بالأرض، وبإرسال الحاصب من السماء. فاحذروا يا هؤلاء المكذبون، أن تدوموا على التكذيب، فيأخذكم كما أخذ من قبلكم، ويصيبكم ما أصابهم. * (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد * قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد * قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب * قل جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد * قل إن ضللت فإنمآ أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب) * أي
(٦٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 677 678 679 680 681 682 683 684 685 686 687 ... » »»