في أجسامهم، ويبلغ العذاب إلى أفئدتهم، ويخلدون في ذلك العذاب الشديد، فلا يخرجون منه، ولا يفتر عنهم ساعة. * (لا يجدون وليا) * فيعطيهم ما طلبوه * (ولا نصيرا) * يدفع عنهم العذاب. بل قد تخلى عنهم النصير، وأحاط بهم عذاب السعير، وبلغ منهم مبلغا عظيما. ولهذا قال: * (يوم تقلب وجوههم في النار) * فيذوقون حرها، ويشتد عليهم أمرها، ويتحسرون على ما أسلفوا. * (يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) * فسلمنا من هذا العذاب، واستحققنا كالمطيعين جزيل الثواب. ولكن أمنية فات وقتها، فلم تفدهم إلا حسرة وندما، وهما، وغما، وألما. * (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا) * وقلدناهم على ضلالهم. * (فأضلونا السبيلا) *. كقوله تعالى: * (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر) * الآية.
ولما علموا أنهم، وكبراءهم، مستحقون للعقاب، أرادوا أن يشتفوا ممن أضلوهم، فقالوا: * (ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) * فيقول الله لكل ضعف، فكلكم اشتركتم في الكفر والمعاصي، فتشتركون في العقاب، وإن تفاوت عذاب بعضكم على بعض بحسب تفاوت الجرم. * (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) * يحذر تعالى عباده المؤمنين عن أذية رسولهم، محمد صلى الله عليه وسلم، النبي الكريم، الرؤوف الرحيم، لئلا يقابلوه بضد ما يجب له من الإكرام والاحترام، وأن لا يتشبهوا بحال الذين آذوا موسى بن عمران، كليم الرحمن، فبرأه الله مما قالوا من الأذية، أي أظهر الله لهم براءته. والحال أنه عليه الصلاة والسلام، ليس محل التهمة والأذية، فإنه كان وجيها عند الله، مقربا لديه، من خواص المرسلين، ومن عباد الله المخلصين؛ فلم يزجرهم ما له من الفضائل، عن أذيته، والتعرض له بما يكره، فاحذروا أيها المؤمنون، أن تتشبهوا بهم في ذلك. والأذية المشار إليها هي قول بني إسرائيل عن موسى، لما رأوا شدة حيائه وتستره عنهم: (إنه ما يمنعه من ذلك إلا أنه آدر) أي: كبير الخصيتين، واشتهر ذلك عندهم. فأراد أن يبرئه منهم، فاغتسل يوما، ووضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فأهوى موسى عليه السلام في طلبه، فمر به على مجالس بني إسرائيل، فرأوه أحسن خلق الله، فزال عنه ما رموه به. * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) * يأمر تعالى المؤمنين بتقواه، في جميع أحوالهم، في السر والعلانية، ويخص منها، ويندب للقول السديد، وهو القول الموافق للصواب، أو المقارب له، عند تعذر اليقين، من قراءة، وذكر، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وتعلم علم وتعليمه، والحرص على إصابة الصواب، في المسائل العلمية، وسلوك كل طريق يوصل لذلك، وكل وسيلة تعين عليه. ومن القول السديد، لين الكلام ولطفه، في مخاطبة الأنام، والقول المتضمن للنصح، والإشارة بما هو الأصلح. ثم ذكر ما يترتب على تقواه، وقول القول السديد فقال: * (يصلح لكم أعمالكم) * أي: يكون ذلك سببا لصلاحها، وطريقا لقبولها؛ لأن استعمال التقوى، تتقبل به الأعمال كما قال تعالى: * (إنما يتقبل الله من المتقين) *. ويوفق فيه الإنسان للعمل الصالح، ويصلح الله الأعمال أيضا، بحفظها عما يفسدها، وحفظ ثوابها ومضاعفته. كما أن الإخلال بالتقوى، والقول السديد سبب لفساد الأعمال، وعدم قبولها، وعدم ترتب آثارها عليها. * (ويغفر لكم) * أيضا * (ذنوبكم) * التي هي السبب في هلاككم. فبالتقوى تستقيم الأمور، ويندفع بها كل محذور ولهذا قال: * (ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) *. * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما) * يعظم تعالى شأن الأمانة، التي ائتمن الله عليها المكلفين، التي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم، في حال السر والخفية، كحال العلانية. وأنه