تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٧١
بعده، مخل بهذا المقام. وأيضا، فإنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، والزوجية باقية بعد موته، فلذلك لا يحل نكاح زوجاته بعده، لأحد من أمته. * (إن ذلكم كان عند الله عظيما) * وقد امتثلت هذه الأمة هذا الأمر، واجتنبت ما نهى الله عنه منه، ولله الحمد والشكر. ثم قال تعالى: * (إن تبدوا شيئا) * أي: تظهروه * (أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما) * يعلم ما في قلوبكم، وما أظهرتموه، فيجازيكم عليه. * (لا جناح عليهن في آبآئهن ولا أبنآئهن ولا إخوانهن ولا أبنآء إخوانهن ولا أبنآء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا) * لما ذكر أنهن لا يسألن متاعا إلا من وراء حجاب، وكان اللفظ عاما لكل أحد، احتيج أن يستثنى منه هؤلاء المذكورون، من المحارم، وأنه * (لا جناح عليهن) * في عدم الاحتجاب عنهم. ولم يذكر فيها الأعمام، والأخوال، لأنهن، إذا لم يحتجبن عمن هن عماته وخالاته، من أبناء الإخوة والأخوات، مع رفعتهن عليهم، فعدم احتجابهن عن عمهن وخالهن، من باب أولى، ولأن منطوق الآية الأخرى، المصرحة بذكر العم والخال مقدمة، على ما يفهم من هذه الآية. وقوله: * (ولا نسائهن) * أي: اللاتي من جنسهن في الدين، فيكون ذلك مخرجا لنساء الكفار. ويحتمل أن المراد جنس النساء، فإن المرأة لا تحتجب عن المرأة. * (ولا ما ملكت أيمانهن) * ما دام العبد في ملكها جميعه. ولما رفع الجناح عن هؤلاء، شرط فيه وفي غيره، لزوم تقوى الله، وأن لا يكون في ذلك محذور شرعي فقال: * (واتقين الله) * أي: استعملن تقواه في جميع الأحوال * (إن الله كان على كل شيء شهيدا) * يشهد أعمال العباد، ظاهرها وباطنها، ويسمع أقوالهم، ويرى حركاتهم، ثم يجازيهم على ذلك، أتم الجزاء وأوفاه. * (إن الله وملائك ته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * وهذا فيه تنبيه على كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعة درجته، وعلو منزلته عند الله وعند خلقه، ورفع ذكره. و * (إن الله) * تعالى * (وملائكته يصلون على النبي) * أي: يثني الله عليه بين الملائكة، وفي الملأ الأعلى، لمحبته تعالى إياه. ويثني عليه الملائكة المقربون، ويدعون له ويتضرعون. * (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * اقتداء بالله وملائكته، وجزاء له على بعض حقوقه عليكم، وتكميلا لإيمانكم، وتعظيما له صلى الله عليه وسلم، ومحبة وإكراما، وزيادة في حسناتكم، وتكفيرا عن سيئاتكم. وأفضل هيئات الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام، ما علمه أصحابه (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد) وهذا الأمر بالصلاة والسلام عليه مشروع في جميع الأوقات وأوجبه كثير من العلماء في المصلاة. * (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) * لما أمر تعالى بتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالصلاة والسلام عليه، نهى عن أذيته، وتوعد عليها فقال: * (إن الذين يؤذون الله ورسوله) * وهذا يشمل كل أذية، قولية أو فعلية، من سب وشتم، أو تنقص له، أو لدينه، أو ما يعود إليه بالأذى. * (لعنهم الله في الدنيا) * أي: أبعدهم وطردهم، ومن لعنهم في الدنيا، أنه يتحتم قتل من شتم الرسول، وآذاه. * (والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) * جزاء له على أذاه، أن يؤذى بالعذاب المهين، فأذية الرسول ليست كأذية غيره، لأنه لا يؤمن العبد بالله، حتى يؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم. وله من التعظيم، الذي هو من لوازم الإيمان، ما يقتضي ذلك أن لا يكون مثل غيره. وإن كان أذية المؤمنين عظيمة، وإثمها عظيما، ولهذا قال فيها: * (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا) * أي: بغير جناية منهم موجبة للأذى * (فقد احتملوا) * على ظهورهم * (بهتانا) * حيث آذوهم بغير سبب * (وإثما مبينا) * حيث تعدوا عليهم، وانتهكوا حرمة أمر الله باحترامها. ولهذا كان سب آحاد المؤمنين، موجبا للتعزير، بحسب حالته وعلو مرتبته. فتعزير من سب الصحابة أبلغ، وتعزير من سب العلماء وأهل الدين، أعظم من غيرهم. * (يا أيها النبي قل
(٦٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 666 667 668 669 670 671 672 673 674 675 676 ... » »»