تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٧٠
* (والله يعلم ما في قلوبكم) * أي: ما يعرض لها عند أداء الحقوق الواجبة والمستحبة، وعند المزاحمة في الحقوق، فلذلك شرع لك التوسعة يا رسول الله، لتطمئن قلوب زوجاتك. * (وكان الله عليما حليما) * أي: واسع العلم، كثير الحلم. ومن علمه، أن شرع لكم ما هو أصلح لأموركم، وأكثر لأجوركم. ومن حلمه، أن لم يعاقبكم بما صدر منكم، وما أصرت عليهم قلوبكم من الشر. * (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا) * وهذا شكر من الله، الذي لم يزل شكورا، لزوجات رسوله، رضي الله عنهن، حيث اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، أن رحمهن، وقصر رسوله عليهن فقال: * (لا يحل لك النساء من بعد) * زوجاتك الموجودات * (ولا أن تبدل بهن من أزواج) * أي: ولا أن تطلق بعضهن، فتأخذ بدلها. فحصل بهذا، أمنهن من الضرائر، ومن الطلاق، لأن الله قضى أنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، لا يكون بينه وبينهن فرقة. * (ولو أعجبك حسنهن) * أي: حسن غيرهن، فلا يحللن لك * (إلا ما ملكت يمينك) * أي: السراري، فذلك جائز لك، لأن المملوكات، في كراهة الزوجات، لسن بمنزلة الزوجات، في الإضرار للزوجات. * (وكان الله على كل شيء رقيبا) * أي: مراقبا للأمور، وعالما بما إليه تؤول وقائما بتدبيرها على أكمل نظام، وأحسن أحكام. * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ول كن إذا دعيتم فأدخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما * إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما) * يأمر تعالى عباده المؤمنين، بالتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في دخول بيوته فقال: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام) * أي: لا تدخلوها بغير إذن للدخول فيها، لأجل الطعام. وأيضا * (غير ناظرين إياه) * أي: منتظرين استواءه، ومتحينين نضجه، أو سعة صدر بعد الفراغ منه. والمعنى: إنكم لا تدخلوا بيوت النبي إلا بشرطين: الإذن لكم بالدخول، وأن يكون جلوسكم بمقدار الحاجة، ولهذا قال: * (ولكن إذا دعيتم فأدخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث) * أي: قبل الطعام وبعده. ثم بين حكمة النهي وفائدته فقال: * (إن ذلكم) * أي: انتظاركم الزائد على الحاجة. * (كان يؤذي النبي) * أي: يتكلف منه ويشق عليه حبسكم إياه عن شؤون بيته، وإشغاله فيه * (فيستحي منكم) * أن يقول لكم: (اخرجوا) كما هو جاري العادة، أن الناس وخصوصا أهل الكرم منهم يستحيون أن يخرجوا الناس من مساكنهم. * (و) * لكن * (الله لا يستحي من الحق) *. فالأمر الشرعي، ولو كان يتوهم أن في تركه أدبا وحياء، فإن الحزم كل الحزم، اتباع الأمر الشرعي، وأن يجزم أن ما خالفه، ليس من الأدب في شيء. والله تعالى لا يستحي أن يأمركم، بما فيه الخير لكم، والرفق لرسوله كائنا ما كان. فهذا أدبهم في الدخول في بيوته. وأما أدبهم معه في خطاب زوجاته، فإنه إما أن يحتاج إلى ذلك، أو لا يحتاج إليه. فإن لم يحتج إليه، فلا حاجة إليه، والأدب تركه. وإن احتيج إليه، كأن يسألهن متاعا، أو غيره من أواني البيت أو نحوها، فإنهن يسألن * (من وراء حجاب) * أي: يكون بينكم وبينهن ستر، يستر عن النظر، لعدم الحاجة إليه. فصار النظر إليهن ممنوعا بكل حال، وكلامهن فيه التفصيل الذي ذكره الله. ثم ذكر حكمة ذلك بقوله: * (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) * أنه أبعد عن الريبة. وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر، فإنه أسلم له، وأطهر لقلبه. فلهذا، من الأمور الشرعية التي بين الله كثيرا من تفاصيلها، أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته، ممنوعة، وأنه مشروع البعد عنها، بكل طريق. ثم قال كلمة جامعة وقاعدة عامة: * (وما كان لكم) * يا معشر المؤمنين، أي: غير لائق ولا مستحسن منكم، بل هو أقبح شيء. * (أن تؤذوا رسول الله) * أي: أذية قولية أو فعلية، بجميع ما يتعلق به. * (ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) * هذا من جملة ما يؤذيه، فإنه صلى الله عليه وسلم، له مقام التعظيم، والرفعة والإكرام، وتزوج زوجاته
(٦٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 665 666 667 668 669 670 671 672 673 674 675 ... » »»