تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٨٤
عن قولك) * أي: لا نترك عبادة آلهتنا لمجرد قولك، الذي ما أقمت عليه بينة بزعمهم، * (وما نحن لك بمؤمنين) * وهذا تأييس منهم لنبيهم هود عليه السلام في إيمانهم، وأنهم لا يزالون في كفرهم يعمهون. * (إن نقول) * (فيك) * (إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) * أي: أصابتك بخبال وجنون، فصرت تهذي بما لا يعقل. فسبحان من طبع على قلوب الظالمين، كيف جعلوا أصدق الخلق الذي جاء بأحق الحق، بهذه المرتبة التي يستحي العاقل من حكايتها عنهم لولا أن الله حكاها عنهم. ولهذا بين هود عليه الصلاة والسلام أنه واثق غاية الوثوق أنه لا يصيبه منهم، ولا من آلهتهم أذى فقال: * (إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا) *، أي: اطلبوا إلي الضرر كلكم، بكل طريق تتمكنون بها مني * (ثم لا تنظرون) * أي: لا تمهلون. * (إني توكلت على الله) * أي: اعتمدت في أمري كله على الله * (ربي وربكم) * أي: هو خالق الجميع، ومدبرنا وإياكم، وهو الذي ربانا. * (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها) * فلا تتحرك ولا تسكن إلا بإذنه، فلو اجتمعتم جميعا على الإيقاع بي، والله لم يسلطكم علي، لم تقدروا على ذلك، فإن سلطكم، فلحكمة أرادها. * (إن ربي على صراط مستقيم) * أي: على عدل، وقسط، وحكمة، وحمد في قضائه وقدره، وشرعه وأمره، وفي جزائه وثوابه، وعقابه، لا تخرج أفعاله عن الصراط المستقيم، التي يحمد، ويثنى عليه بها. * (فإن تولوا) * عما دعوتكم إليه * (فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم) * فلم يبق علي تبعة من شأنكم. * (ويستخلف ربي قوما غيركم) * يقومون بعبادته، ولا يشركون به شيئا. * (ولا تضرونه شيئا) * فإن ضرركم، إنما يعود إليكم، فالله لا تضره معصية العاصين، ولا تنفعه طاعة الطائعين * (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) * () * (إن ربي على كل شيء حفيظ) *. * (ولما جاء أمرنا) * أي: عذابنا بإرسال الريح العقيم، التي * (ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم) *. * (نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ) * أي: عظيم شديد، أحله الله ب * (عاد) * (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم) * (وتلك عاد) * الذين أوقع الله بهم ما أوقع، بظلم منهم لأنهم * (جحدوا بآيات ربهم) * ولهذا قالوا: * (ما جئتنا ببينة) *، فتبين بهذا، أنهم متيقنون لدعوته، وإنما عاندوا وجحدوا * (وعصوا رسله) *، لأن من عصى رسولا، فقد عصى جميع المرسلين، لأن دعوتهم واحدة. * (واتبعوا أمر كل جبار) * أي: متسلط على عباد الله بالجبروت، * (عنيد) * أي: معاند لآيات الله، فعصوا كل ناصح ومشفق عليهم، واتبعوا كل غاش لهم، يريد إهلاكهم لا جرم أهلكهم الله. * (وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة) * فما من وقت وجيل، إلا ولأنبائهم القبيحة، وأخبارهم الشنيعة، ذكر يذكرون به، وذم يلحقهم * (ويوم القيامة) * لهم أيضا لعنة. * (ألا إن عادا كفروا ربهم) * أي: جحدوا من خلقهم ورزقهم ورباهم. * (ألا بعدا لعاد قوم هود) * أي: أبعدهم الله عن كل خير وقربهم من كل شر. * (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يقوم اعبدوا الله ما لكم من إل ه غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب * قالوا يصالح قد كنت فينا مرجوا قبل ه ذا أتنهانآ أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونآ إليه مريب * قال يقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير * ويقوم ه ذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب * فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب * فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز * وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين * كأن لم يغنوا فيهآ ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود) * أي * (و) * (أرسلنا) * (إلى ثمود) * وهم: عاد الثانية، المعروفون، الذين يسكنون الحجر، ووادي القرى، * (أخاهم) * في النسب * (صالحا) * عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، * (قال يا قوم اعبدوا الله) * أي: وحدوه، وأخلصوا له الدين * (ما لكم من إله غيره) * لا من أهل السماء، ولا من أهل الأرض. * (هو أنشأكم من الأرض) * أي: خلقكم منها * (واستعمركم فيها) * أي: استخلفكم فيها، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، ومكنكم في الأرض، تبنون، وتغرسون، وتزرعون، وتحرثون ما شئتم، وتنتفعون بمنافعها، وتستغلون مصالحها، فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك، فلا تشركوا به في عبادته. * (فاستغفروه) * مما صدر منكم من الكفر، والشرك، والمعاصي، وأقلعوا عنها، * (ثم توبوا إليه) * أي: ارجعوا إليه بالتوبة النصوح، والإنابة، * (إن ربي قريب مجيب) * أي: قريب ممن دعاه دعاء مسألة، أو دعاء عبادة. يجيبه بإعطائه سؤاله، وقبول عبادته، وإثابته عليها، أجل الثواب. واعلم أن قربه تعالى نوعان: عام، وخاص. فالقرب العام، قربه بعلمه، من جميع الخلق، وهو المذكور في قوله تعالى: * (ونحن
(٣٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 ... » »»