أقرب إليه من حبل الوريد) *، والقرب الخاص، قربه من عابديه، وسائليه، ومحبيه، وهو المذكور في قوله تعالى: * (فاسجد واقترب) *. وفي هذه الآية، وفي قوله تعالى: * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي) *، وهذا النوع، قرب يقتضي إلطافه تعالى، وإجابته لدعواتهم، وتحقيقه لمراداتهم، ولهذا يقرن باسمه (القريب) اسمه (المجيب). فلما أمرهم نبيهم صالح عليه السلام، ورغبهم في الإخلاص لله وحده، ردوا عليه دعوته، وقابلوه أشنع المقابلة. * (قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا) * أي: قد كنا نرجوك ونؤمل فيك العقل والنفع، وهذه شهادة منهم، لنبيهم صالح، أنه ما زال معروفا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وأنه من خيار قومه. ولكنه، لما جاءهم بهذا الأمر، الذي لا يوافق أهواءهم الفاسدة، قالوا هذه المقالة التي مضمونها، أنك قد كنت كاملا، والآن أخلفت ظننا فيك، وصرت بحالة لا يرجى منك خير. وذنبه، ما قالوه عنه: * (أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا) * وبزعمهم أن هذا من أعظم القدح في صالح، كيف قدح في عقولهم، وعقول آبائهم الضالين، وكيف ينهاهم عن عبادة من لا ينفع ولا يضر، ولا يغني شيئا من الأحجار، والأشجار ونحوها. وأمرهم بإخلاص الدين لله ربهم، الذي لم تزل نعمه عليهم تترى، وإحسانه عليهم دائما ينزل، الذي، ما بهم من نعمة، إلا منه، ولا يدفع عنهم السيئات إلا هو. * (وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب) * أي: ما زلنا شاكين فيما دعوتنا إليه، شكا مؤثرا في قلوبنا الريب. وبزعمهم أنهم لو علموا صحة ما دعاهم إليه، لاتبعوه، وهم كذبة في ذلك. ولهذا بين كذبهم في قوله: * (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) * أي: برهان ويقين مني * (وآتاني منه رحمة) * أي: من علي برسالته ووحيه، أي: أفأتابعكم على ما أنتم عليه، وما تدعونني إليه؟ * (فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير) * أي: غير خسار وتباب، وضرر. * (ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية) * لها شرب من البئر يوما، ثم يشربون كلهم من ضرعها، ولهم شرب يوم معلوم. * (فذروها تأكل في أرض الله) * أي: ليس عليكم من مؤنتها وعلفها شيء، * (ولا تمسوها بسوء) * أي: بعقر * (فيأخذكم عذاب قريب) *. * (فعقروها فقال) * لهم صالح: * (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب) * بل لا بد من وقوعه. * (فلما جاء أمرنا) * بوقوع العذاب * (نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ) * أي: نجيناهم من العذاب والخزي والفضيحة. * (إن ربك هو القوي العزيز) * ومن قوته وعزته، أن أهلك الأم الطاغية، ونجى الرسل وأتباعهم، * (وأخذ الذين ظلموا الصيحة) * فقطعت قلوبهم، * (فأصبحوا في ديارهم جاثمين) * أي: خامدين لا حراك لهم. * (كأن لم يغنوا فيها) * أي: كأنهم لما جاءهم العذاب ما تمتعوا في ديارهم، ولا أنسوا فيها، ولا تنعموا بها يوما من الدهر، قد فارقهم النعيم، وتناولهم العذاب السرمدي الذي لا ينقطع، والذي كأنه لم يزل. * (ألا إن ثمود كفروا ربهم) * أي: جحدوه بعد أن جاءتهم الآية المبصرة، * (ألا بعدا لثمود) * فما أشقاهم وأذلهم، نستجير بالله من عذاب الدنيا وخزيها. * (ولقد جاءت رسلنآ إبراهيم بالب شرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ * فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط * وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب * قالت يويلتا أألد وأنا عجوز وه ذا بعلي شيخا إن ه ذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد * فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجآءته البشرى يجادلنا في قوم لوط * إن إبراهيم لحليم أواه منيب * يإبراهيم أعرض عن ه ذآ إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود * ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا وقال ه ذا يوم عصيب * وجآءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يقوم ه ؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد * قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد * قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد * قالوا يلوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب * فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد) * أي: * (ولقد جاءت رسلنا) * من الملائكة الكرام، رسولنا * (إبراهيم) * الخليل * (بالبشرى) * أي: بالبشارة بالولد، حين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط، وأمرهم أن يمروا على إبراهيم، فيبشروه بإسحاق، فلما دخلوا عليه * (قالوا سلاما قال سلام) * أي: سلموا عليه، ورد عليهم السلام. ففي هذا مشروعية السلام، وأنه لم يزل من ملة إبراهيم عليه السلام وأن السلام قبل الكلام، وأنه ينبغي أن يكون الرد، أبلغ من الابتداء، لأن سلامهم بالجملة الفعلية، الدالة على التجدد، ورده بالجملة الاسمية، الدالة على الثبوت والاستمرار، وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية. * (فما لبث) * إبراهيم لما دخلوا عليه * (أن جاء بعجل حنيذ) * أي: بادر لبيته، فاستحضر لأضيافه عجلا مستويا على الرضف سمينا، فقربه إليهم فقال: ألا تأكلون؟ * (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه) * أي: إلى تلك الضيافة * (نكرهم وأوجس منهم خيفة) * وظن أنهم أتوه بشر ومكروه، وذلك قبل أن يعرف أمرهم.
(٣٨٥)