من النساء، والبنين، والقناطير المقنطرة، من الذهب، والفضة، والخيل المسومة، والأنعام والحرث. قد صرف رغبته، وسعيه، وعمله، في هذه الأشياء، ولم يجعل لدار القرار من إرادته، شيئا، فهذا لا يكون إلا كافرا، لأنه لو كان مؤمنا، لكان ما معه من الإيمان، يمنعه أن تكون جميع إرادته للدار الدنيا، بل نفس إيمانه وما تيسر له من الأعمال، أثر من آثار إرادته الدار الآخرة. ولكن هذا الشقي، الذي كأنه خلق للدنيا وحدها * (نوف إليهم أعمالهم فيها) * أي: نعطيهم ما قسم لهم، في أم الكتاب من ثواب الدنيا. * (وهم فيها لا يبخسون) * أي: لا ينقصون شيئا، مما قدر لهم، ولكن هذا منتهى نعيمهم. * (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار) * خالدين فيها أبدا، لا يفتر عنهم العذاب، وقد حرموا جزيل الثواب. * (وحبط ما صنعوا فيها) * أي: في الدنيا، أي، بطل واضمحل ما عملوه مما يكيدون به الحق وأهله، وما عملوه من أعمال الخير التي لا أساس لها، ولا وجود لشرطها، وهو الإيمان. * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أول ئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ول كن أكثر الناس لا يؤمنون) * يذكر تعالى، حال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من ورثته القائمين بدينه، وحججه الموقنين بذلك، وأنهم لا يوصف بهم غيرهم ولا يكون أحد مثلهم فقال: * (أفمن كان بينة من ربه) * بالوحي الذي أنزل الله فيه المسائل المهمة، ودلائلها الظاهرة، فتيقن تلك البينة. * (ويتلوه) * أي: يتلو هذه البينة والبرهان، برهان آخر * (شاهد منه) * وهو شاهد الفطرة المستقيمة، والعقل الصحيح حين شهد حقيقة. ما أوحاه الله وشرعه، وعلم بعقله حسنه، فازداد بذلك إيمانا إلى إيمانه. * (و) * ثم شاهد ثالث * (من قبله) * وهو * (كتاب موسى) * التوراة، التي جعلها الله * (إماما) * للناس * (ورحمة) * لهم، يشهد لهذا القرآن بالصدق، ويوافقه فيما جاء به من الحق. أي: أفمن كان بهذا الوصف، قد تواردت عليه شواهد الإيمان، وقامت لديه أدلة اليقين، كمن هو في الظلمات والجهالات، ليس بخارج منها؟ لا يستوون عند الله، ولا عند عباد الله، * (أولئك) * أي: الذين وفقوا لقيام الأدلة عندهم، * (يؤمنون به) * أي: بالقرآن حقيقة، فيثمر لهم إيمانهم، كل خير في الدنيا والآخرة. * (ومن يكفر به من الأحزاب) * أي: سائر طوائف أهل الأرض، المتحزبة على رد الحق، * (فالنار موعده) * لا بد من وروده إليها * (فلا تك في مرية) *، أي: في أدنى شك * (منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) *، إما جهلا منهم، وضلالا، وإما ظلما وعنادا، وبغيا، وإلا فمن كان قصده حسنا، وفهمه مستقيما، فلا بد أن يؤمن به، لأنه يرى ما يدعوه إلى الإيمان من كل وجه. * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أول ئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد ه ؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون * أول ئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون * أول ئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون * لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون) * يخبر تعالى أنه لا أحد * (أظلم ممن افترى على الله كذبا) * ويدخل في هذا، كل من كذب على الله، بنسبة شريك له، أو وصفه بما لا يليق بجلاله، أو الإخبار عنه، بما لم يقل، أو ادعاء النبوة، أو غير ذلك من الكذب على الله. فهؤلاء أعظم الناس ظلما * (أولئك يعرضون على ربهم) * ليجازيهم بظلمهم، فعندما يحكم عليهم بالعقاب الشديد * (يقول الأشهاد) * أي: الذين شهدوا عليهم بافترائهم وكذبهم: * (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) * أي: لعنة لا تنقطع، لأن ظلمهم صار وصفا لهم ملازما، لا يقبل التخفيف. ثم وصف ظلمهم فقال: * (الذين يصدون عن سبيل الله) * فصدوا بأنفسهم عن سبيل الله، وهي سبيل الرسل، التي دعوا الناس إليها، وصدوا غيرهم عنها، فصاروا أئمة يدعون إلى النار. * (ويبغونها) * أي: سبيل الله * (عوجا) * أي: يجتهدون في ميلها، وتشيينها، وتهجينها، لتصير عند الناس، غير مستقيمة، فيحسنون الباطل ويقبحون الحق، قبحهم الله * (وهم بالآخرة هم كافرون) *. * (أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض) * أي: ليسوا فائتين الله، لأنهم تحت قبضته، وفي سلطانه. * (وما كان لهم من دون الله من أولياء) * فيدفعوا عنهم المكروه، أو يحصلوا لهم ما ينفعهم، بل تقطعت بهم الأسباب. * (يضاعف لهم العذاب) * أي: يغلظ ويزداد، لأنهم ضلوا بأنفسهم، وأضلوا غيرهم. * (ما كانوا يستطيعون السمع) * أي: من بغضهم للحق، ونفورهم عنه، ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا بآيات الله، سماعا ينتفعون به * (فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة) *، * (وما كانوا يبصرون) * أي: ينظرون نظر
(٣٧٩)