تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٨٣
فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من أن يكون من الخاسرين. ودل هذا، على أن نوحا عليه السلام لم يكن عنده علم، بأن سؤاله لربه في نجاة ابنه، محرم. داخل في قوله: * (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) * بل تعارض عنده الأمران، وظن دخوله في قوله: * (وأهلك) *. وبعد هذا، تبين له أنه داخل في المنهي عن الدعاء لهم، والمراجعة فيهم. * (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) * من الآدميين وغيرهم من الأزواج التي حملها معه. فبارك الله في الجميع، حتى ملأوا أقطار الأرض ونواحيها. * (وأمم سنمتعهم) * في الدنيا * (ثم يمسهم منا عذاب أليم) * أي: هذا الإنجاء، ليس بمانع لنا من أن من كفر بعد ذلك، أحللنا به العقاب، وإن متعوا قليلا، فسيؤخذون بعد ذلك. قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعدما قص عليه هذه القصة المبسوطة التي لا يعلمها إلا من من الله عليه برسالته. * (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا) * فيقولوا: إنه كان يعلمها. فاحمد الله، واشكره، واصبر على ما أنت عليه من الدين القويم، والصراط المستقيم، والدعوة إلى الله * (إن العاقبة للمتقين) * الذين يتقون الشرك وسائر المعاصي، فستكون لك العاقبة على قومك، كما كانت لنوح على قومه. * (وإلى عاد أخاهم هودا قال يقوم اعبدوا الله ما لكم من إل ه غيره إن أنتم إلا مفترون * يقوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون * ويقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين * قالوا يهود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دآبة إلا هو آخذ بناصيتهآ إن ربي على صراط مستقيم * فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ * ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ * وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد * وأتبعوا في ه ذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود) * أي: * (و) * أرسلنا * (إلى عاد) * وهم القبيلة المعروفة في الأحقاف، من أرض اليمن، * (أخاهم) * في النسب * (هودا) * ليتمكنوا من الأخذ عنه والعلم بصدقه. * (قال) * لهم * (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون) * أي: أمرهم بعبادة الله وحده، ونهاهم عما هم عليه من عبادة غير الله، وأخبرهم أنهم قد افتروا على الله الكذب في عبادتهم لغيره، وتجويزهم لذلك، وأوضح لهم وجوب عبادة الله، وفساد عبادة ما سواه. ثم ذكر عدم المانع لهم من الانقياد فقال: * (يا قوم لا أسألكم عليه أجرا) * أي: غرامة من أموالكم على ما دعوتكم إليه، فتقولوا: هذا يريد أن يأخذ أموالنا، وإنما أدعوكم وأعلمكم مجانا. * (إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون) * ما أدعوكم إليه، وأنه موجب لقبوله، منتفي المانع عن رده. * (ويا قوم استغفروا ربكم) * عما مضى منكم * (ثم توبوا إليه) * فيما تستقبلونه، بالتوبة النصوح، والإنابة إلى الله تعالى. فإنكم إذا فعلتم ذلك * (يرسل السماء عليكم مدرارا) * بكثرة الأمطار، التي تخصب بها الأرض، ويكثر خيرها. * (ويزدكم قوة إلى قوتكم) * فإنهم كانوا من أقوى الناس، ولهذا قالوا: * (من أشد منا قوة) *؟، فوعدهم أنهم إن آمنوا، زادهم قوة إلى قوتهم. * (ولا تتولوا) * عنه، أي: عن ربكم * (مجرمين) * أي: مستكبرين عن عبادته، متجرئين على محارمه. * (قالوا) * رادين لقوله: * (يا هود ما جئتنا ببينة) * إن كان قصدهم بالبينة البينة التي يقترحونها، فهذه غير لازمة للحق، بل اللازم أن يأتي النبي بآية، تدل على صحة ما جاء به، وإن كان قصدهم أنه لم يأتهم ببينة تشهد لما قاله بالصحة، فقد كذبوا في ذلك، فإنه ما جاء نبي لقومه، إلا وبعث الله على يديه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر. ولو لم تكن له آية، إلا دعوته إياهم لإخلاص الدين لله، وحده لا شريك له، والأمر بكل عمل صالح، وخلق جميل، والنهي عن كل خلق ذميم من الشرك بالله، والفواحش، والظلم، وأنواع المنكرات، مع ما هو مشتمل عليه هود، عليه السلام، من الصفات، التي لا تكون إلا لخيار الخلق وأصدقهم، لكفى بها آيات وأدلة على صدقه. بل أهل العقول، وأولو الألباب، يرون أن هذه الآية، أكبر من مجرد الخوارق، التي يراها بعض الناس، هي المعجزات فقط. ومن آياته، وبيناته الدالة على صدقه، أنه شخص واحد، ليس له أنصار ولا أعوان، وهو يصرخ في قومه، ويناديهم، ويعجزهم، ويقول لهم: * (إني توكلت على الله ربي وربكم) *. * (إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون) *، وهم الأعداء، الذين لهم السطوة والغلبة، ويريدون إطفاء ما معه من النور، بأي طريق كان وهو غير مكترث، ولا مبال بهم، وهم عاجزون لا يقدرون أن ينالوه بشيء من السوء، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. وقولهم: * (وما نحن بتاركي آلهتنا
(٣٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 ... » »»